Banniére Tmar

حي الرحمة 1 بابن جرير: لا اثر للرحمة

0

 

 عبد الكريم قوقي

يعتبر حي الرحمة 1 (دوار اجلود لكار سابقا) من بين اعرق الأحياء بمدينة ابن جرير، حيث تبلغ ساكنته أزيد من ألف نسمة، جلها من الفارين من جحيم البطالة و الفقر  من البوادي كنتيجة حتمية للجفاف، حيث  سكان الحي الأصليين إبان الأربعينات و إلى  أوائل التسعينيات كانوا  متفرقين على خمسة دور أصلية أو ما يسمى “بالخيام”، لا يبلغ تعداد ساكنتها 300 نسمة، حيث عاشوا حياة بسيطة  في نمط  بدوي، يقطنون دورا أغلبها مبنية بالتراب أو ما يصطلح عليه بالتسمية القديمة “اللوح”، و اغلب ساكنته الأصلية تربطهم علاقات عائلية متشعبة قبل علاقات المصاهرة، و معروف كبيرهم و صغيرهم.

إلا أن موجة الهجرة القروية، نتيجة الجفاف و صعوبة العيش بالبادية، جعلت حي الرحمة قبلة ووجهة مفضلة لاستقرار النازحين من جحيم و قسوة الطبيعة القروية، المنعدمة فيها مظاهر الحياة و العيش الكريم، حيث ظهرت ظواهر جديدة و سرى نمط أخرمن الحياة ملازم للاختلاط و اختلاف الثقافات، حيث أن أبناء الدوار الأصليين اختلط عليهم الحابل بالنابل، فأضحوا لا يعرفون هويات الداخل و الخارج من الحي، كما أن تزايد النمو الديمغرافي، كان حاسما في ظهور بؤر جديدة و تجمعات سكنية للبناء العشوائي تلمسها في حي أخر يدعى” دوار اقنية”.

بنية تحتية منعدمة

و باستطلاع بسيط و جولة متفرعة في شتى دروب الحي و جوانحه، يظهر جليا مظاهر الفقر و البؤس، و انعدام البنية التحتية، مما يوحي  أن الحي رغم قدمه، كان خارج مدار التاريخ و مخططات التهيئة و التنمية المبرمجة على مر تعاقب المجالس المدبرة للشأن المحلي باختلاف مللها و نحلها، حيث يصدم المتفقد لأحوال الساكنة و الموغل في أدغال الحي الموحشة، بحقيقة مخالفة لما يراه الزائر للمدينة على المستوى الجنوبي لمدخلها، حيث النافورات  بألوانها الزاهية أو على مستوى شارع محمد الخامس أو حي الأمل حيث الأضواء الباريسية، إذ لا أثر للتهيئة و التأهيل على المستوى العمراني و الجمالي، و المرافق الضرورية و التي من المفترض أن تأخذها المجالس المتعاقبة على كرسي التسيير، في سجل أولوياتها و يكون قد حسم فيها منذ سنوات خلت.

أكد لنا العديد من أبناء الحي، و هم يسترسلون في الإفصاح عن مكنوناتهم و دواخلهم بمرارة و قرحة بالغتين، أنهم يحسون بالأسى و الحزن  على حال هذا الحي، الذي لم تطأه أيادي التغيير و الإصلاح في زمن شعارات الإصلاح، و استرسل آخرون  بأن الكلام يعجز أحيانا على التعبير عن دواخل الإنسان و إحساساته. فكيف يمكن أن يصدق الإنسان ، أنه يعيش في زمن الكرامة و عهد كونية حقوق الإنسان، مع الحرمان الدائم من أبسط حقوقه، خاصة التطهير الصحي، حيث أضحى يشكل هاجسا و حلما منذ عقود خلت، “ناضلنا من أجله لسنين عديدة دون مصغي لهمنا، كما أهلكتنا مراسلات المسئولين المحليين و الإقليميين، دون جواب شافي، و كان أخرها لقاؤنا مع عامل إقليم عمالة الرحامنة، عقب مسيرة احتجاجية نظمتها ساكنة الحي، و الذي وعدنا خيرا و أعطانا وعدا بحل مشكل التطهير الصحي، لكن الحال بقي  على ما هو عليه”.

إقصاء سياسي ممنهج و خطاب سياسي مخادل

قد عانى الحي من سنوات رصاص الحسابات السياسية و الاقتصادية، و التي انعكست سلبيا على ساكنته حسب أبناء الدوار، حيث انه في حقبة من الزمن، صار الحي تابعا للنفوذ الترابي لجماعة سيدي علي البراحلة، أمام مرأى و مسمع من السلطات، رغم أن خط السكة الحديدية هو الفاصل بين مدينة ابن جرير و الحي، نتيجة تهرب احد المستثمرين النافذين من الضرائب، (دائما حسب أبناء الحي)، إلى حدود التقسيم الترابي الجديد، الذي انطلق مع انعراجة 2007 ، و سماع ذوي انفجار خطاب سياسي جديد عم صداه جل الرحامنة، حيث طفا إلى السطح خطاب سياسي مغاير للخطاب العتيق المتبني لثقافة الشيخات و الزرود و المشوي، حيث انخرط الجميع في الحركة الانتقالية المتبنية لسياسة الإصلاح و التغيير و تطهير بؤر الفساد، و حرث الرحامنة من واد أم الربيع إلى واد تانسيفت.

 إلا أن الحي ظل بعيدا عن ملامح التهيئة الشاملة و التأهيل الحضري، حيث تنعدم البنية التحتية من تهيئة الأزقة و الطرق، اللهم الطريق التي تربط الحي بالمدينة من الجهة الشمالية و التي انتهت عند خزانات الماء الصالح للشرب، دون أن تكتمل لتربط  الحي بالمدخل الجنوبي من جهة الممر السككي لسبت البريكيين. فرغم تزويد الحي بالماء الشروب و الكهرباء، بقيت المعضلة العظمى متمركزة في انعدام شبكة التطهير الصحي، ما يضطر الساكنة  لقضاء حوائجها الطبيعية في حفر تخصص لهذا الشأن، و التي تكون عرضة للامتلاء بعد شهرين أو ثلاثة من الاستعمال، مما يجعلهم ينصهرون مع عذاب إفراغها ليلا، و عاينت الجريدة احد المواطنين منهمك في إفراغ إحداها، مكبا وجهه داخلها، زاكمة أنفه الروائح الكريهة المنبعثة منها، مبديا في ذات الوقت امتعاضه و سخطه من الوضعية المتكررة التي يعيشها مع هذه الحفرة، متمنيا أن تكون المرة الأخيرة، دون أن يخفي ضجره من  المسئولين.

عنصر بشري غير مؤهل

 كما  بقي العنصر البشري دون تأهيل يذكر، حيث تغيب المرافق الاجتماعية و التربوية من مركز صحي و دور للشباب، أو مركب ثقافي أو سوسيو رياضي، بحيث تختفي  بصمات برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلا مقر منها، تم بناءه منذ سنوات، خربت نوافذه و بابه لمرات عديدة، قبل أن تتخذه إحدى الجمعيات النسائية بالحي كملحق لمقرها الاجتماعي يستعمل كمخبزة ومصنع للحلويات.

حيث يظل غالبية الشباب بالحي بعيدين عن كل تنمية حقيقية، تدخل في أولوياتها إدماج الشباب و تأهيلهم عقليا و ماديا، ليكونوا في المستقبل في مستوى الرهان الذي ترفعه الدولة، تماشيا مع الخطابات الملكية الداعية إلى الاهتمام بالشباب، باعتباره القوة الضاربة في المجتمع و المحرك الديناميكي لتطوره، حيث يبقى جل الشباب يدور حائرا في فلك الشعارات التي ترفعها الدولة و الواقع المرير الذي يكذب كل شيء، حيث تنعدم الرؤية و الآفاق المستقبلية.

و أفصح بعض الشباب من الذين إلتقتهم الجريدة، “أنهم يرون أنفسهم مجرد كائنات انتخابية لا تصلح إلا للاستهلاك الانتخابي و ملأ صناديق الاقتراع، و صانعي أمجاد الآخرين ليس إلا”، فرغم الأخبار التي تروج حول انجاز مركبات مهمة في المستقبل القريب، من قبيل ملاعب الأحياء و مركب سوسيو رياضي، فهم يعتبرون ذلك “مجرد تغريد انتخابي لا أقل و لا أكثر”، وأشاروا كذلك إلى افتقاد الحي لعدة مرافق حيوية من قبيل مركز صحي، أو مقاطعة للأمن رغم أن الوضعية الأمنية مستقرة، و لا تعرف انفلاتات أمنية أو جرائم تذكر، بحيث يبقى الحي الوحيد بالمدينة الذي لم تسجل فيه حوادث خطيرة.

و اقر الشباب بأن المدينة تعرف دينامية متسارعة و حركية نوعية مغايرة لسنوات الحجر السياسي، و الجبر السياسوي، عرفت انطلاقتها بالزيارات الملكية المتتالية لسنوات 2008 و 2010، إلا أن الحي لم يأخذ نصيبه من الرعاية و الاهتمام على غرار باقي الأحياء كحي التقدم و حي الأمل، ما اعتبروه تمييزا و حيفا لهم، و في ذات الوقت مكافئة و جزاء على نسبة المشاركة في الانتخابات لساكنة الأحياء التي تم تأهيلها و في مقدمتها حي التقدم.

جحيم العبور إلى المدينة مع قطارات الفوسفاط

تعيش ساكنة الحي “فوبيا” دائمة من جراء شبح القطارات، في رحلة الذهاب إلى وسط المدينة لقضاء المآرب و الحاجيات، و كذلك لتلاميذ المدارس و الشيوخ، حيث يبقى طيف قطارات  الناقلة للفوسفاط  من مكتشف ابن جرير إلى مدينة أسفي، و التي تتوقف بشكل دائم طيلة اليوم، هما ثقيلا و وسواسا قهريا يقظ مضاجعهم في كل لحظة و حين.  و تبقى عملية عبور القطار لعبة سيزيفية بين الحياة و الموت، بالنسبة للعديدين من الساكنة، خاصة النساء و الشيوخ و تلاميذ المدارس، حيث العملية تستلزم، إما استعمال المسالك المخصصة للعبور من فوق القطار، بالنسبة لذوي البنيات الجسدية القوية، أو من تحته بالنسبة للتلاميذ و النساء و العجزة، مما يجعل حياتهم في مرمى و تحت رحمة عجلات القطار.

ما يثير الاستغراب هو  انعدام أي  ممر سككي فوق أرضي يصل الحي بالمدينة مباشرة بعيدا عن هواجس القطارات التي اغتصبت أحلام أحد الشباب  بسرقة احد قطارات نقل الفوسفاط لساقيه في واضحة النهار.

و اشتكى أهل الحي من تماطل و صم أذان المكتب الوطني للسكك الحديدية و المسئولين الإقليميين و المحليين، حول مطالبهم ومن جملتها انجاز قنطرة للراجلين تصل المدينة مباشرة بالحي، لإنقاذ الساكنة من هواجس تهديدات الدهس بالقطارات خاصة المخصصة لنقل الفوسفاط و اتقاء شرها، حيث يضطر العديد من الناس العبور تحت رحمتها، مما يجعلهم فريسة سهلة الاصطياد، و لو لا  الألطاف الإلهية لحدثت فواجع و نكبات مؤلمة، كما حدث في احد الأمسيات التعسة، لأحد الشباب، حينما كان تلميذا، حيث اغتصب منه قطار نقل الفوسفاط ساقيه حينما كان عائدا من المدرسة، هو طيف صورة ذلك الشاب يتكرر في مخيلات الآباء و الأمهات صباح مساء،كلما هم أبناءهم بالذهاب أو العودة من المدرسة.

خلاصة القول

عرفت بعض الأحياء بالمدينة عناية خاصة و أولوية كبيرة، بينما بقيت أحياء عديدة خارج تغطية الإصلاح و التأهيل، و التي تتطلب مجهودات مضاعفة و ميزانيات ضخمة لإعادة تأهيلها، خاصة هوامش المدينة، التي تم إدماجها بالمدار الحضري لمدينة ابن جرير وفق التقسيم الإداري الجديد، كحي النواجي و حي الرحمة و دوار ابن إبراهيم و اجلود الفقرة.

فاذا كان التوجه الجديد للتوسع العمراني يزحف في الجهة الجنوبية للمدينة، عبر انجاز المدينة الخضراء بمعايير ايكولوجية دولية، و معايير فنية و معمارية خاصة، فإن إهمال هوامش المدينة من مخططات التهيئة يجعل المدينة تتمظهر برأسين متناقضين، مما يجعل لزاما على المسئولين أخد هذا المعطى بعين الاعتبار.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.