Banniére Tmar

مبادئ في القمامة ومناصب تحت الكمامة.

0

7

(بقدر ما نطير عاليا، نبدو صغارا لهؤلاء الذين يروننا من تحت)

                                                              “فريدريك نيتشه”

لعل كثيرا من سكان مدينة ابن جرير ـ الذين عايشوا فترة الثمانينيات ـ يعرفون حق المعرفة عون السلطة المرحوم المسمى (ع) الذي ارتبط اسمه بمسؤوليته في تنفيذ الحريق الذي قضى بالكامل على “سوق اشطيبة”، الذي سيبنى المركب التجاري البلدي على أنقاضه. إلا أنهم ربما لا يعلمون ب “طرفة عجيبة” اقترفها قبل أن يعشش وهم “السلطة”في خلايا دماغه.

كان السيد (ع) قبل أن يصبح عون سلطة برتبة “مقدم” لاعبا محترفا في لعبة “الرونضا”،وبتعبير أدق كان “روانضيا كبيرا و”حساسبيا شديدا” بلغة أهل “الرونضة”. ومشاهير محترفي هذه اللعبة  ، الذين كانوا يرتادون مقهى “السي عباس” الشعبية بحي إفريقيا ،يعرفون مهارته وحنكته وأساليبه الانتهازية الماكرة في الفوز ب“الطرح” بأية وسيلة كانت.

ففي اليوم الموالي لتعيينه في “المنصب” الجديد، خلع جلباب “الروانضي” وارتدى جلباب عون السلطة ،ممتطيا “قصبة” كان يحسبها فرسا مسرجة، وقصد ذات المقهى التي كانت بمعنى ما عنوانه شبه الدائم. وبنظرات حادة ووجه عبوس متجهم ، ولغة متعالية آمرة، نهر “رفاق” الأمس قائلا: (آش كتديرو نتوما هنا؟؟؟ !!!) (يا الله ، نوضو جمعو علي كواغطكم من هنا ،و ما باقي  نشوفكم مجمعين لي هنا، يا الله سربيو،اللي عندو شي نعالة يلبسها ويخلف المشية !!!).

مناسبة وسياق هذه الطرفة ،هو التحول “المفاجئ” في سلوك بعض الأشخاص ، الذين بمجرد ما تبدو لهم “كوة” للترقي ،أو الشعور بامتلاك سلطة وهمية ،ومنصب زائف ،حتى يشرعوا في محو تاريخهم ،والتنكر لما كانوا يعتقدونه ” مبادئ” لا يحيدون عنها.

وفي المقابل، لا يعتبر تغيير الصفة أو المنصب مهما علا شأنه، دافعا لإخفاء الهوية السياسية أو النقابية لحاملها بمبرر الموقع الجديد، اعتبارا لعدم وجود ما يمنع حالة التنافي بين المنصب والانتماء السياسي والنقابي والعقدي حتى….اللهم إلا إذا كان الشخص يعتبر هويته السياسية مجرد “بطاقة للتعبئة” يلقي بها في القمامة كلما نفذ رصيدها، أو إذا كان يريد تصفية حساب ـ بلا رجعة ـ مع لحظة طارئة وعابرة من تاريخه الشخصي ندم على الانتساب إليها، ويطمح (في قرارة نفسه) إلى  امتطاء صهوة جواد مليح ، “بركي” نافر،(مدعوم ومدعم بكل الأعلاف المحلية والمستوردة) يسمونه “الجرار” بلغة أهل هذا الزمان. أويسعى للتمسح بأهدابه المتسربلة ،وذلك أقل كلفة وأجدى نفعا في الوصول إلى غاية أكثر وجاهة وأكثر”مردودية” بالمعنيين المادي والرمزي.

وأسوق ثلاث حالات ـ على سبيل المثال ـ لثلاثة أشخاص أعرفهم أدق المعرفة، لم يتأثروا سياسيا بوصولهم مهنيا إلى مناصب المسؤولية في نيابات التعليم أو على مستوى الأكاديمية.لم يلقوا بهويتهم في القمامة ،ولا هم وضعوا على خياشيمهم الكمامة: (LE Baillon)

الحالة الأولى: عبد اللطيف اليوسفي ،كان نائبا للتعليم بعدد من النيابات وهو قيادي سابق بمنظمة العمل واليسار الموحد. وهو اليوم مدير لأكاديمية جهوية للتربية والتكوين ،ويشغل في نفس الوقت موقعا قياديا  في الحزب الاشتراكي الموحد، بل إنه يمارس مهامه الحزبية بشكل عاد، ويصاحب شخصا سبق وأن حكم عليه بالإعدام ورفض كل دساتير المملكة السعيدة ،بل إنه رفض تقبيل يد الملك الحسن الثاني ، ودعا ـ ويدعو ـ مع شباب 20 فبراير إلى إسقاط الفساد والاستبداد، ورفع ولا زال يرفع شعار “الملكية البرلمانية الآن و ليس غدا”.

الحالة الثانية: علي بن الدين : قيادي سابق بمنظمة العمل ،و قيادي حالي بالاشتراكي الموحد، شغل مهمة نائب للتعليم بالقنيطرة، ولم تمنعه صفته تلك من الدعوة علانية في التجمعات الجماهيرية والحزبية والتصريحات التلفزيونية إلى أن مدخل الإصلاح في المغرب سياسي دستوري ،أساسه وجوهره ملكية برلمانية حيث الملك يملك ولا يحكم. ولم تمنعه صفته تلك من الخروج في المسيرات والوقفات التي تدعو لها مختلف التعبيرات الديمقراطية الحية، سياسية أو نقابية أو حقوقية أو غيرها.

الحالة الثالثة:عبد الجليل معروف: تقلد منصب نائب لوزير التربية الوطنية بنيابة الحوز،وهو في الآن ذاته كاتب إقليمي للاتحاد الاشتراكي بإقليم الرحامنة، كان يحضر لاجتماعات الحزب محليا وجهويا ووطنيا ،ولم يكن يضع “مخبرا” في جمجمته ولا كمامة على فمه تسد شدقيه من الإعلان عن هويته السياسية.(مع الإشارة أن لا مقارنة بين معروف الذي نزل طارئا على الاتحاد بعد جولة عابرة من الطليعة إلى المنظمة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى الاتحاد الاشتراكي،بينما الحالتان الأولتان لم تتزحزحا ،ولم تغيرا هويتهما الحزبية).

وإذا كان تكوين عون السلطة المرحوم (ع) ومرجعيته الفكرية والثقافية ، وافتقاره لأمصال المناعة ضد هوس السلطة وغوايتها، هو ما دفعه للتصرف بتلك الطريقة الغرائبية، فلا  عذر لمن  كان يلج المقرات ،ويناقش جداول الأعمال ويساهم في النقاش و يطلب نقط النظام، ويتحفظ ويعترض ،ويعرف مقتضيات القانون الداخلي، ويؤمن بحقوق الانسان وعلى رأسها حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الانتماء الحزبي والنقابي، ويطلع على تفاصيل فصول الدستور ومواده، ولا يبغي غير الحداثة مسلكا للمجتمع الحداثي الديمقراطي. وأكثر من هذا وذاك فرئيسه الذي هو الوزير، والذي قد يكون أمينا عاما، أو عضوا بالمكتب السياسي أو المجلس الوطني، لا يكتفي بالصفة وهو يزاول مهامه الوزارية، بل يسعى ليتمطط الحزب الذي ينتمي إليه في كل مفاصل الوزارة، بل في كل مكان يستطيع إليه سبيلا…

عبد الكريم التابي

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.