حصيلة الملك في البرلمان
إذا جئنا بمراقب أجنبي وجعلناه يتابع الجلسة التي خصصها البرلمان يوم أمس للاستماع إلى عرض رئيس الحكومة حول حصيلة حكومته في النصف الأول من ولايتها، سيخرج بانطباع كما لو أن الأمر يتعلق بحصيلة أداء الملك، وسيعتقد أن الدستور المغربي يعتبر الملك مسؤولا أمام البرلمان، وأنه يبعث رئيس الحكومة لتقديم الحصيلة الملكية أمام ممثلي الشعب والحصول على ثقتهم.
حاولت القيام بتمرين لإحصاء عدد المرات التي تكرر فيها ترديد كلمة “الملك” في خطاب رئيس الحكومة أمام غرفتي البرلمان، فعجزت عن ذلك لكثرتها، سواء في الكلمة التي ألقاها شفويا أو في الوثيقة التي جرى تعميمها لاحقا، وتتكون من أكثر من مائتي صفحة.
من الطبيعي والمعتاد في السياق السياسي والدستوري المغربي أن يستمد الفاعل الرسمي جزءا من مشروعيته من التوجيهات والاختيارات الملكية، بالنظر إلى المكانة الخاصة والرمزية والسلطات الواسعة التي يخص بها الدستور المغربي الملك. لكن ما قدمه رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمس أمام غرفتي البرلمان، هو حصيلة منسوبة بالكامل إلى الملك، وهو ما يطرح عدة إشكالات سياسية ودستورية، لكون الجلسة تندرج ضمن الوظيفة الرقابية للبرلمان، وبالتالي نصبح أمام السؤال: هل يطلب أخنوش من البرلمان مساءلة الملك عن سياسات واختيارات وأداء حكومته؟
وبما أنه يدرك دون أدنى شك استحالة حدوث هذه المساءلة، لأن الدستور لا يسمح بها أولا، ثم لأن الثقافة والسياق السياسيين للمغرب لا يسمحان بها، فهل نحن أمام محاولة للهروب من أية مساءلة أو رقابة شعبية، والاختباء خلف الملك؟
بالنسبة لرئيس الحكومة، وبقراءة تركيبية وشاملة لعرضه أمام البرلمان، فإن حكومته لم تقم سوى بتنفيذ اختيارات الملك، سواء في ملف الحماية الاجتماعية أو الصحة أو الفلاحة أو الصناعة أو الطاقة، وطبّقت تعليماته “بشأن مكافحة انعكاسات كل من الجائحة والجفاف وزلزال الحوز…”. وهو ما يجعل السؤال البديهي الذي يترتب عن مثل هذا الخطاب: ما الداعي إلى تنظيم انتخابات وصرف الأموال الطائلة عليها وتشكيل البرلمان وانبثاق أغلبية وتخصيص آلاف الساعات في مناقشة مشاريع القوانين وتوجيه الأسئلة الكتابية والشفوية… إذا كان رئيس الحكومة سيأتي في النهاية ليقول لنا “إنني كنت أنفذ سياسات الملك؟”.
وإذا كان استحضار المبادرات الملكية مفهوما في بعض الأوراش والسياسات القطاعية التي تحتاج إلى دعم خاص من أجل تحصيل مواردها المالية وفرض تطبيقها أمام المقاومات التي تواجهها السياسات العمومية في بعض الحالات، فإن الحصيلة التي قدمها رئيس الحكومة أمام البرلمان شملت بعض الملفات التي لا دخل للحكومة فيها من قريب ولا من بعيد، بل تندرج دستوريا وعمليا في مجال الاختصاص الملكي، مثل بعض المشاريع الخاصة بالتعاون الدولي والإقليمي، كمشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، حيث تضمنت الوثيقة المعممة على فقرات تجعل اللبس كبيرا بين ما أن كان الأمر يتعلق بحصيلة الحكومة أم حصيلة الملك؟
ففي المجال الدبلوماسي مثلا، تقدم لنا الحكومة صور واختيارات ومبادرات الملك، عوض أن تقدم لنا عضوها المكلف بهذا القطاع، أي وزير الخارجية والتعاون والمغاربة المقيمين في الخارج، والذي يمكن مساءلته من طرف البرلمانيين عن أداء قطاعه في هذا المجال، أو حتى مساهمات رئيس الحكومة في العمل الدبلوماسي. وإلا ما معنى أن يؤثث رئيس الحكومة وثيقة حصيلته بصور الاستقبالات الملكية كما هو الحال مع صورة الاستقبال الذي خص به الملك رئيس الحكومة الإسبانية؟ ألا تصبح الحكومة في شبهة الاستيلاء على الصلاحيات الملكية وتصوّر الملك كما لو كان عضوا في الحكومة وتحت سلطة رئيسها؟
وما هي علاقة الحكومة بقرار الملك اعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها حتى تدرجها ضمن حصيلتها؟ فحسب ما اطلع عليه عموم المغاربة يتعلق الأمر بقرار ملكي خالص صدر بشأنه بلاغ رسمي وقامت المؤسسات المعنية، من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والحكومة… كل في الشق الذي يهمه، بالدور المطلوب منه لتنفيذه، فماذا يفعل مثل هذا القرار ضمن حصيلة الحكومة؟
نعم هناك حصيلة يجب أن تقدمها الحكومة حول تنزيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وهناك الكثير مما يقال عن هذه الحصيلة من جانب النشطاء المهتمين والمختصين، لكن استحضار الملك بالطريقة التي ورد بها الأمر في الحصيلة الحكومية يثير الكثير من اللبس بما يحمله من خلط غير مفهوم.
الأمر نفسه ينطبق على ورش إصلاح مدونة الأسرة. لو أن رئيس الحكومة بادر إلى تفعيل المقتضى الدستوري الذي ينص على أن هذا المجال يندرج ضمن الاختصاص التشريعي، وقدّم مشروع قانون لإصلاح المدونة، لحقّ له أن يدرج ذلك ضمن حصيلته، أما وأن الأمر يتعلق بمبادرة ملكية تولى فيها رئيس الحكومة مهمة نقل خلاصات لجنة مستقلة إلى الديوان الملكي، فلا يمكن اعتباره جزءا من حصيلة يمكن عرضها أمام البرلمان، لأن هذه المؤسسة تقوم أولا بالمساءلة والمراقبة في مواجهة الحكومة، وبالتالي يجدر برئيس هذه الأخيرة ترك الملك بعيدا عن هذه الآلية الدستورية، والاكتفاء بتقديم حصيلته وتحمّل مسؤوليتها.
إن للمؤسسة الملكية في المغرب كل الأدوات والوسائل للتواصل مع المغاربة وإطلاعهم على اختياراتها وقراراتها ومبادراتها، من خطب ملكية وبلاغات ومنصات إعلامية عمومية، وهو ما يتم بالفعل كلما كان هناك ما يستعي التواصل حول جلسة عمل في الديوان الملكي أو اتصال بالخارج أو مبادرات… وبالتالي يصبح هذا الخلط بين حصيلة أداء المؤسسة الملكية وحصيلة الحكومة، غريبا وغير مفهوم، وينعكس بالتالي على السير الطبيعي للمؤسسات، بما أن البرلمان موجود لمراقبة ومساءلة الحكومة، بعيدا عن رمزية وخصوصية المؤسسة الملكية التي يجدر بالحكومة أن تتركها خارج جلسات مساءلتها عن حصيلتها.