فضيحة حميد المهداوي: مشهد يعرّي أعطاب الإعلام المغربي ويكشف عمق الأزمة البنيوية
تحوّل الفيديو الذي نشره حميد المهداوي إلى حدث صادم تجاوز حدود الضجة الرقمية، ليكشف، بحدة غير مسبوقة، حقيقة الوضع الذي آل إليه الإعلام المغربي. لم يكن الأمر مجرد واقعة معزولة، بل لحظة تعرّت فيها البنية العميقة التي تدبّر شؤون الإعلام، وسقطت معها أقنعة طالما غطّت مظاهر الاختلال والتردّي.
ما حمله الفيديو يقدّم صورة واضحة عن أسباب الانحطاط الذي يعيشه المشهد الإعلامي، ويفضح العقلية المتحكمة في مفاصله، وفي المجلس الوطني للصحافة. الأخطر في هذا المشهد هو كون الوجوه ذاتها التي تسببت في أزمة الإعلام، يجري اليوم إعداد القوانين على مقاسها، لتمكينها من مزيد من السيطرة وتوسيع مساحة النفوذ. إنها حالة “تغوّل مضاعف” تتغذى من واقع يزداد هشاشة يوماً بعد يوم.
المشهد الصادم الذي ظهر في الفيديو كان كافياً لاختصار سنوات من النقاش حول أسباب فشل المنظومة الإعلامية. ما بدا أمام الجمهور لم يكن سوى نموذج فاضح لمستوى التفسخ والصراع الداخلي وحروب المواقع بين من يفترض أن يكونوا “حكماء” المهنة. وما خفي، بالتأكيد، أعظم.
في الحقيقة، حميد المهداوي لم يكن سوى “عَيّنة” تم تطبيق ثقافة التدبير السائدة عليها. ولو كان يكرّر الخطاب الذي يرضي بعض الجهات، لكان يُحتفى به ويُقدَّم كنموذج ناجح، تماماً كما يحدث مع عدد من المؤثرين والمحتويات الهابطة التي تُفسد الذوق العام دون أن تثير أي مساءلة. فالمشكلة ليست في أسلوب المهداوي، بل في طبيعة الخطاب غير المرغوب فيه من قبل من يملكون مفاتيح المشهد.
إن التسريب، مهما كانت خلفياته، يمثل جرس إنذار حادّاً للصحافيين وتنظيماتهم. فالنموذج المكشوف اليوم يُراد تقويته عبر “دوباج قانوني” يهدف إلى منح البنية المتحكمة بالمشهد صلاحيات أوسع، وهو ما تنبئ به مضامين مشروع القانون الجديد الخاص بمجلس الصحافة. وبهذا، قد يصبح الصحافيون تحت رحمة نفس “الباطرونا”، داخل المؤسسات الإعلامية وفي المجلس الذي يفترض أن يمارس الرقابة الأخلاقية والمهنية.
ما جرى ينهي، بشكل درامي، وهم التنظيم الذاتي وإصلاح القطاع. فالمشهد لم يعد يحتمل التأجيل، ولم يعد الأمر يتعلق بأزمة قطاع فحسب، بل بأزمة ثقة في مؤسسات يفترض أن تحمي المهنة لا أن تعمّق جراحها.
اليوم، يبقى الرهان الأكبر هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإعلام المغربي، قبل أن يفقد ما تبقى من سمعته وهيبته… وقبل أن يتحول هذا الانهيار إلى وضع بنيوي يصعب إصلاحه.
