في الحاجة الى” الحياء السياسي”

0

يبث على الانترنيت بالامس ولغاية اليوم مشهد هجوم رجل سياسة (النخبة) على ندوة لحقوق الانسان يريد فيها ومن خلالها محامي (الحريات) بفضح الفساد وهدم أماكنه اذا كان في الحالة المغربية السياسية يمكن محاربة كل اشكال الحد من سيولة المجتمع الحقوقية” الحكماتية “نحو مجتمع حر نزيه وشفاف كبلور المطر شهر ديسمبر . انما ما شاهدناه يوجعنا لاننا بكل الوسائل المشروعة لا نزال في بداية الحلم المغربي على غرار الحلم العربي المبدد…لكن من حقنا ان نحلم !

 

هنا يطفو سؤال المرحلة من بين “كراس” كثير عن قابلية النخبة السياسية الى استيعاب: ان المغرب اليوم يحتاج بالفعل الى لحظة للصمت المؤبد من طرف هؤلاء(لودفيغ فيتفينشتاين) اذا كان الفرد واثقا من انه لم يعد هناك ما يقال (على نقيض مقولات مستشار سيدي بنور وبرلمانيته في واقعة عندي ما يكال ). اننا جميعا من دون ولادات واطفال وبراعم شهر اكتوبر قد حضرنا جميعا كل ما حمل هذا الشهر لنا من التحولات هذه السنة على المستويين الذاتي والموضوعي، الرمزي والمعرفي (بيير بورديو).

 

كانت أياما عصيبة مع مطالب جيل Z المشروعة، ثم فوزا لنفس تلك الاعمار بكاس العالم من القارة الامريكية في الجهة الاخرى ، وبعدها قرار اممي بتوكيد مشروع الحكم الذاتي كحل لازمة خمسين عاما من الصراع انتهت بحكمة واحدة مفادها انه : ما ضاع حق مشروع لصاحب شرعية مهما سارت الايام ومهما كدح الناس في المسير.

 

كل هذه الادوار النوعية قادتها ارادتان، واحدة لملك البلاد، واخرى للشباب القادم من الاعماق كالاحلام الخارقة الممتدة من الواقع الى منتصف الليل…بالتالي عمليا لم يعد هناك من متسع للذين يريدون مغربا يمشي زاحفا او على غرار نشيد الاطفال (دب الحلزون)، البلد اليوم يحتاج الى ابناءه، الجدد من الرعيل الاخير ، متعلمون واعون حقيقيون يفهمون الادوار الاجتماعية ، المعايير الاتجاهات الكامنة في الفرد ويقدسون الضوابط والقيم والاهداف التي تحددها الوضعيات الجديدة للتعلم(دارندروف، بارسونز). اذن لم تعد هناك مساحة او رقعة مريحة لمثل هذه النخبة التي وللاسف يمتليء بها المجال سواء بالمدن الكبيرة او التجمعات المتوسطة والمراكز الحضرية والتجمعات القروية الصغيرة…انها وحدها تحاصر الحلم كي لا يكبر.

 

في اخر اجتماع وزاري كان الملك مرة اخرى وككل محطات هذا البلد التي لما تضيق فيه الافاق تعود اليه ليس فقط لانه القادر على امتلاك الحلول وتسهيل المهام وتحقيق الامنيات، وانما كذلك لغياب نخبة هنا وهناك . و انا بصدد السياسيين والذين يدورون في فلكهم، لا يمكنني عد الكتابات التي اعقبت الاستقلال تتناول هذا المسار الذي يفي بالغرض” التفسيري ” ويستعرض نخبة عاجزة، لا تمتلك قوة اقتراحية ولا ابداع حلول ولست وحدي القائل بل يمكن ان تكون نصوص بحجمها اقتحمت الاحزاب والتيارات السياسية وبينت ان المغرب كان دائما في غياب تام لادوار هذه المؤسسة …لا يفوتني كذلك ذكر الاستنتاجات التي كان مجموعة من الدارسين يتناولون فيها مؤسسة البرلمان التي يتوقف اوكسجين الحياة بها لعلل ذاتية لا تعي تمثلها للواقع ومعرفته وموضوعية تمس الازمات الكبرى التي كان ينهي قلقها الشعب مقرونا بالعرش فقط في غياب نخبة لا تفكر خارج الصندوق .thinking out of the box الا من وراء حجاب وبغاية وسبب ومبرر. وقليل ما هم خارج هذه الاحكام القاسية، بل يوجد رجال ونساء هنا وهناك يريدون للحلم ان يحلم…

 

بالنهاية لا يمكن للتاريخ ان يحل مقام القانون (لودفيغ فيتفينشتاين )، وما معناه ان المغرب اليوم لا يسعه انتظار العربة حتى يركب الجميع، هناك دائما ما كانت رغبة تحدوا نخبة تنتمي في معظمها الى فئات لا يهمها سوى ما ستربحه : “نخبة قروية، تجار كبار، اعيان، مشيخات، تنظيمات ورثها المغرب المعاصر هنا وهناك، خليط من هذا وذاك، في الزوايا والاضرحة والسياسيون الصغار ، واولياءهم الكبار”، وقد كان المغرب يحتاج مرة مرة الى هذه المكونات وهو في طريقه نحو ترسيخ الدولة…دولة الحق والقانون والحريات التي يعلو فيها القانون عن حركة التاريخ والافراد؟ لكن لا اعتقد بعد ما صار واضحا ان الملك وحده طيلة 26 كانت جهوده مضنية في ملف عطل الجنوب المغربي وارق المغاربة المحبين لبلدهم لعقود من الزمن، لم تكن للأحزاب ولا من ذكرتهم دورا الا “الفعل السامي الوطني” والدبلوماسية الموازية التي يلعب فيها موظفون وطنيون دورا بارزا وعلاقات شفافة وواقعية لخب بالعالم قد تكون رياضية وفنية وعلمية وموقف للمغاربة في كل مجال، وطبعا مؤسسات اجتماعية خرجت الرجال والنساء (الاسرة، الدين، القانون، اللغة، المدرسة) من سهلت على المغرب ريادة أفعاله وافكاره بين الامم…فيما كان الداخل من بعد الاستقلال لغاية اليوم تعطل مساراته “النهضوية “نخب سياسية لا تفهم الا عرض نفسها امام لجان التفتيش ومحاكم جرائم الاموال وتبديد حقوق القرى والمدن دفعة واحدة بدون الانتباه لجولة واحدة، الى كون الموسيقى كالسياسة دائما ما كانت تحتاج الى مؤلفين جيدين وعازفين مهرة لتوحيد النغم وخلق الفرجة… ولا من فكر وضع “اليته” و الانصراف عن الجوق نحو منبر المتفرجين ساعة العجز الكلي عن المواكبة النفسية والرمزية والمعرفية بالفن، ومنح مكانه لشاب مبدع جيد وفنان يتوفر على كل مقومات الابداع وادخال الفرح على الجميع…

نحتاج الى “الحياء السياسي”، هذه المفردة التي أصوغها في غياب مفهوم يوازي احباطنا القديم .

 

صبري يوسف ، كاتب راي وباحث بسلك الدكتوراه بعلم الاجتماع السياسي والتنموي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.