Banniére SIAM

مرآة بلاد بريس الأسبوعية : ملحمة ” المغرب المشرق ” هل نصدق ذلك  ؟  

0

OPERETTE

في البداية وحتى تكتمل الصورة لا بد من تعريف للملحة التي يفسرها الملمين بالفنون على أنها قصة شعرية مليئة بالأحداث.  هي قصة شعرية تقص حكايات شعب من الشعوب في بدايات تاريخه ،  وتحكي عن جماعات في بداية بناء صرح أمة من الأمم .

هي بالأساس حكاية بطولية طويلة ، والتاريخ الإنساني مليء بهذا النوع من الملاحم ، ” ملحمة نابليون”  المخلدة لفتوحاته العسكرية في الشرق والغرب والتي جعلت منه أسطورة ، وهناك الكوميديا الإلهية ” لدانتي ” وملحمة الإلياذة والأوديسة إلى غيرها من الملاحم .

ولكن حين ينتج المغرب اليوم في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرون ملحمة بذلك الشكل فإن الأمر يدعو إلى الاستغراب ، لأنه لم يعد مقبولا إنتاج الملاحم في عصر الدساتير أيا كانت تلك الدساتير ، لنتساءل هل نص دستور 2011 في أبوابه عن الملاحم وبطولات الأفراد ،   طبعا لا ،  نصوص الدستور جافة لا تحتمل التأويل كثيرا ، فما معنى  إحياء عهد الملاحم ، ألا يعرف القائمون على هذه الأفكار أن الزمن تغير  ،  نحن لن نلوم أولئك الذين وقفوا يرددون مقاطع غنائية هي في النهاية من وجهة نظر المثقف مجرد دعاية لا غير،  يرددها فنانون مدفوع لهم مع مستويات ثقافية بسيطة هي منعتهم في كل ما يفعلون .

 في فرنسا وأمريكا و وراء الأورال لا تحتفي البلدان اليوم بالملاحم  ،فتلك البلدان لا تحتفل بذلك الشكل إلا في الألعاب الأولمبية  ، مع الميداليات الذهبية التي يجنيها أبطالها حينما يرفرف علم الأمم عاليا في الميادين .

 العالم اليوم لايؤمن بهذه الأفعال ، يؤمن بالعلم في تصنيف الشعوب على مستوى التنمية البشرية ،  وعلى مستوى تمتع تلك الشعوب بالحد المحترم للدخل والأجور وعلى الحريات العامة  ، حرية التعبير والتفكير ، وعلى الحريات المدنية والسياسية والاقتصادية ،  وعلى تمتيع الأقليات بنفس تلك الحريات .  تفرض الشعوب نفسها اليوم أمام العالم بمخزونها العلمي وبقيمة الفرد فيها على المستويات التعليمية والصحية والاجتماعية  . وعلى ما تملكه البلدان من مؤشرات اقتصادية مذهلة . العصر لم يعد ينتظر منا أن نقيم الملاحم للتعبير عن من نكون ، فأمريكا وأوربا وأسيا المستيقظة مؤخرا لا تكثرت للملاحم .

 المغرب أنتج ملحة “المغرب المشرق”  مع أننا وقبيل أيام أصدرت الأمم المتحدة ترتيبا للدول على مستويات مؤشرات التنمية البشرية جاء المغرب في الرتبة 129 من بين 187 بلدا شملها التقرير  . أي أنه لم يغادر تلك الرتبة منذ عهود ، جاءت دول الخليج وتونس متقدمة على المغرب ، حيث حلت  تونس في المرتبة 90 مع أنها ليست بلدا منتجا للنفط  بل هي بلد يعيش حالة “استثناء” ،  واحتلت دولة  قطر الرتبة 31 وليبيا 35  بكل تجليات الوضع فيها ، المغرب جاء على التوالي مع بلدان تيمور الشرقية وناميبيا والهندوراس ودولة في أبعد نقطة بالعالم هناك في المحيط الهندي اسمها “فانواتو” .

أي ملحمة والبلد غارق بالمديونية ،  وحكومة بن كيران اقترضت ما لم تقترضه ثلاث حكومات في تاريخ المغرب الحديث ؟ عن أي ملحمة والبرلمان تحول في تاريخ هذه الحكومة إلى محفل ” للحلقة ” والتنا بز بالألقاب ،  نعم المؤسسة التشريعية افتقدت بريقها بالكامل ، عن أي ملحمة والمغرب فيه أكثر من ثلاثين حزبا  ، أي معنى لكل هاته الأحزاب وأي أهمية كي ننتج معها الملاحم ودورها تحول من تثقيف الشعوب إلى تأليه السياسيين  ، عن أي ملحمة والمغرب فيه أكثر من 100 ألف جمعية تتلقى أموالا عمومية بالملايين ولم تقدم شيئا ، عن أي ملحمة والدستور معطل ، عن أي ملحمة  نتحدث والشعب يجلس كل مساء إلى شاشة وحيدة بئيسة فيما مصر حتى مع عهد مبارك تملك أكثر من أربعين قناة خاصة  تقول ما يحلو لها  ، في أبهى تعبير من الدولة عن حرية الرأي مع كل العسكر والخفر  ،يريد البعض إقناعنا بالتعددية وبالانفتاح والديمقراطية   والواقع عكس التطلعات  .

كيف نحتفل ويتم اليوم تخوين الجمعيات  الحقوقية ووصفها بأنها تتلقى أموالا من الخارج للتأثير على مؤشرات المغرب في المجالات الحقوقية والاقتصادية دوليا والأمر غير ذلك ، لماذا لا نملك الجهد والاعتراف للقول بأن المرأة الحامل في المغرب تلد في الشوارع بدل المصحات ، لماذا لا نعترف بأن “أردوغان” حينما تحمل مسؤولية تركيا عام 2001 إلى غاية 2007 جعل منها ثامن دولة في العالم اقتصاديا ، تحول معها دخل الفرد من 300 دولار إلى 10 آلاف دولار في الشهر ؟ والرئيس الروسي بوتين حينما حل في مبنى الكرملين قادما إليه من مدينة “بيترسبورغ”   قام بتصفية مديونية روسيا التي وصلت إلى عنان السماء مع إرث سوفياتي لأكثر من 15 جمهورية ، لماذا لا نملك الإرادة مع أنفسنا ونعترف بأن المغرب عيبه أنه لا يملك خيار المستقبل الكامن في الديمقراطية رغم قسوتها ، وأن أفرادا يخفون الحقيقة بكاملها عن من بيدهم الأمر ، يجب الاعتراف أن السجناء يعانون داخل السجون من سوء التغذية ومن الاضطهاد ومن التحرش والإكتظاظ ، ويجب أن نعلم أن أكثر من نصف المغاربة لايملكون مساكن  ، وأن أكثر من ثلث المغاربة لا يملكون خيار تعليم أبنائهم بالمدارس ، وأن أكثر من 76 في المائة نسبة أمية وترتفع في الأرياف ، وأن أكثر ساكنة المغرب لا تملك شغلا يضمن العيش الكريم  ،بل يهاجر المغاربة إلى بلدان الحروب في هذا اللحظة رغم علمهم حقيقة بأنهم سيموتون بمجرد عبور الحدود ، لماذا لا نعترف بأن الإنارة والكهرباء والمجاري الصحية ليست متوفرة للجميع بالحد الأدنى مقارنة بأبسط البلدان .

 يجب الاعتراف أن العالم القروي يعيش نفس الأوضاع التي غادرها عليه المستعمر ، حيث تنهب ميزانيات جماعاته أو يتم تبيضها بطريقة معينة ، لماذا لا نعترف أن ارتفاع الأمية واضح بالقرى التي تشكل نسبة أكثر من 50 في المائة من  مجموع السكان ، لماذا لا نعترف أن شوارعنا مليئة بالقمامة ومدننا لا تحترم فيها ” كمبرادورات ” العقارات المساحات الخضراء ،  وأن غرس الزهور وتشطيب المزابل يجابه يوميا بتحدي خطير ، لماذا لا نعترف أن “التشرميل” وارتفاع الجريمة بكل أنواعها  والدعارة التي أصبحت الكثير من البلدان تسبنا بها ، وأصبح المخرجون في العالم حينما يريدون دورا خليعا يبحثون له عن فتاة مغربية ، تلك هي الملحمة اليوم التي كان على الأمة المغربية الاحتفال بها  وإحيائها والبكاء بين مشاهدها ، لماذا لا نعترف أن الشعب لا يقرأ ولا يسافر ولا ينتج موسيقى ولا يحب المسرح ، لأننا لم نشيد  له مسارح ولا “كونسيرفاتورات” ، لماذا لا نعترف أن المغرب ينتج كل رمضان برامج ومسلسلات وفكاهة تضحك على المغربي أكثر مما تسخر من واقعه ، لماذا لا نعترف أننا لا ننتج رسامين ولا موسيقيين ولا فنانين عظماء ، لأننا لا نتمنى أن يحفل المغرب بهاته الفنون حتى لا يستيقظ ، اللهم برامج ” الاراب أيدول” و”استوديو دوزيم”  التي تنتج فنا رديئا لا تستقيم المنافسة به في محافل العظماء  ،  ومهرجانات يأتيها كل من أفلس من فناني العالم ليملؤا  جيوبهم .

إننا لسنا ضد الفن بل نحبه  . لأن موزار وبيتهوفن وباخ و فيردي   وحتى اينشتاين عزف الكمان جيدا قبل إنتاج نظرياته  ، ولسنا ضد التغني بالحاكم وتمجيده وجعله أسطورة فعجلة التاريخ لا تقف عند الأفراد ، ولكن كان يجب على الأقل منح الشعراء المغاربة والموسيقيين المغاربة دوي الاختصاص إنتاج ملحمة تتغنى بالمغاربة جميعهم،  لأن الأخطار المحدقة ، محدقة بالأمة المغربية جميعها ، ولأن ما تقوم بها عصابة “داعش” في العراق وسوريا  يدفع لحماية المغاربة ” الشباب ”  من هول الذهاب هناك والعودة لقتل إخوانهم هنا . و أن ما تقوم به الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء  وعصابة البوليساريو يدفع بنا إلى مزيد من إعطاء البعد الديمقراطي صورة أوضح كي يجتمع المغاربة قاطبة على القضية بدون انفصاليين بالداخل ،ومنح المغاربة تعليما رصينا وعيشا كريما بلا مزايدة  .

إننا نملك الفرصة ،  فما يعيشه العالم العربي الذي داب بالكامل مؤشر أننا بقينا وحيدين ممن أسلموا من الطوفان الجارف للسلاح والقتل بكل خريطة الناطقين بلغة الضاد ،  مع استحضار أننا ليس أفضل حال منهم ولكن لاعتبارات صعبة في التكييف  ، يحب المغاربة بلدهم بلا تعبير منهم عن ذلك ، يحبون السلام والأمن بصمت وينحنون للصبر إجلالا  ….   وأن إعادة إنتاج الفرد في المغرب هو السبيل لضمان أمة مغربية تعانق السلام والحرية والعدل  ، وتبتعد عن التهميش الاجتماعي والذل والمهانة ، إن كثرة المغاربة ب”داعش” اليوم له تفسير واحد  جلي وواضح فالشعور بالقهر والفقر والجهل يسهل الانغماس في الحركات المتطرفة حينما لا تلامس اليد العالم المادي الواقعي  ” العيش ” الكريم ، يجب إعادة دمقرطة البلد ومحاربة الفساد ومحاربة لوبياته ، ومنح المغاربة قيمة المواطن التي يستحقها ،  والإجهاز على الاستغناء والتربح الغير مشروع  ، والتوزيع العادل للثروات في البر والبحر والجو وتحت الأرض ،فالفرنسي لا يمكنه محاربة نفسه ،و لا يمكنه الاشتغال ضد فرنسا الراعية لحوقه  بالكامل ، والانجليزي كذلك ، لماذا العالم العربي وحده من يملك فيه الحاكم التنفيس بهذا الشكل وتنتهي الأسطورة بالدماء في المشهد الأخير دائما  ليبيا ومصر وسوريا والعراق نموذجا ، ويظهر في الأخير دائما أن الملاحم بقدر ما كانت غنائية كانت العقدة فيها تراجيدية كالملحمة الهندية ” المهابهاراتا ” .

MALHAMA

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.