في هذا المقال الذي نشرته صحيفة “الفاينانشل تايمز”، يرى رجل الاعمال المغربي كريم التازي ان البيروقراطية الشديدة التعقيد والفساد وغياب سيادة القانون هي أبرز معيقات الاستثمار والنمو الاقتصادي في المغرب، وان هناك مصالح قوية داخل النظام تحارب كل من يسعى الى محاربة الفساد. وبالمقابل يعتبر أن فكرة الإنفتاح الاقتصادي على افريقيا فكرة ذكية وصحية بالنسبة للاقتصاد المغربي، وان تجربة «العدالة والتنمية» مفيدة للعملية الديمقراطية في المغرب رغم انه لا يتقاسم مع الحزب الاسلامي قيمه ومبادئه وأيديولوجيته. نوورد في ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:
ترجمة سعيد السالمي
رجل الأعمال الأكثر جرأة في المغرب، كريم التازي، واحد من الأخوين اللذين يديران «ريشبوند»، وهو مجمع صناعي وعقاري يبلغ رقم معاملاته السنوي 170 مليون دولار، ولا يتورع عن انتقاد الفساد في أعلى دوائر السلطة، وشجب انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم المحتجين المؤيدين للديمقراطية، وباختصار فإنه نوع من الحراك الذي عادة ما يتحاشاه رجال الأعمال في جميع أنحاء العالم مخافة أن تجعلهم الأنظمة يدفعون ثمنا باهظا عن جرأتهم.
التازي، الذي استهدفته حملات الكراهية في الصحافة بسبب آرائه، كان مؤيدا لحركة 20 فبراير، التي قادت الاحتجاجات سنة 2011 وطالبت بالإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية في المغرب في سياق الإنتفاضات العربية ضد الحكام المستبدين في دول الجوار. ومع أنه يعترف بأن المغرب حقق خطوات كبيرة نحو التمثيلية السياسية ــ مع التعيلات الدستورية الرائدة التي أجراها الملك محمد السادس بإعطاء المزيد من الصلاحيات للبرلمان والحكومة المنتخبة ــ فإنه ما يزال يواصل الدعوة إلى التغيير.
يقول التازي إن «النظام لا يدرك أن الشباب المغاربة يتوقون إلى حقوق المواطنة، ولم يعودوا يقبلون أن يكونوا مجرد رعايا الملك. وبعد أن منح فرصة، ها هو يتراجع عن كل شيء»، في إشارة إلى التضييق على الصحفيين المزعجين ونشطاء المجتمع المدني، مؤكداً أنه في الوقت الذي يسعى فيه الملك إلى الإضطلاع بدور اعتدالي للحفاظ على عرشه، فإن ثمة في الأجهزة الأمنية من لديهم أجندات «على المدى القصير» لسحق المعارضة.
التازي إبن عبد العزيز التازي، وهو مستثمر صناعي رائد، متقاعد حاليا، أسس قبل 50 سنة شركة «ريشبوند»، واحدة من أولى الشركات المصنعة للبلاستيك في المغرب. انضم عبد العزيز إلى الحزب الشيوعي أيام شبابه في إطار الكفاح ضد فرنسا من أجل الاستقلال. واليوم باتت الشركة تستثمر في الفنادق والعقارات أيضا. ومن أبرز ما يشكل مبعثا للفخر لـ«ريشبوند»، أنها كفلت البقاء للأريكة التقليدية المغربية، أو الصوفة سابقا، و«دمقرطتْها» بتعبير التازي الأصغر. تنتج الشركة رغوة «البولي يوريثان» الذي يستخدم لحشو الأرائك، لتحل محل الصوف التقليدي، الذي تعتبر صيانته مكلفة وشاقة حيث يجب إخراجه وغسله مرة كل سنة.
بهذا الصدد قال التازي: «إن إدخال الرغوة حافظ على الصوفة، ولولاها لحلت محلها الأريكة على النمط الأوروبي كما هو الحال في الجزائر وتونس» مضيفا أن «هناك فكرة أخرى رائدة تكمن في عدم بيعه كمنتج عام، ولكن كعلامة تجارية، ولهذا أعطى والدي المنتج اسم شركته ريشبوند”.
يتحسر التازي على ضعف معدل النمو في القطاعات غير الزراعية في الاقتصاد المغربي منذ الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، التي ضربت أوروبا، الشريك التجاري والاستثماري الرئيسي للمملكة، ويؤكد أن «ريشبوند»، على غرار الشركات المغربية الأخرى، أقدمت على التوسع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بهدف تعويض التباطؤ داخل البلاد.
وقامت مجموعته، على سبيل المثال، ببناء مصنع بكلفة 20 مليون دولار في «أبيدجان»، العاصمة التجارية لساحل العاج، بالإضافة إلى مركز لوجستي لتوفير التوزيع في دول غرب أفريقيا. كما استثمرت في فندق وعقارات في ساحل العاج.
وتابع التازي قائلا: «نأمل أن يشكل الجانب الأفريقي 30 في المائة من أنشطتنا في غضون عشر سنوات»، مبرزا أن «تحول اهتمام الشركات المغربية إلى إفريقيا جنوب الصحراء تم بدعم من الحكومة والخطوط الجوية الملكية التي تستغل الآن أكبر شبكة للرحلات في القارة وتبلغ 32 وجهة في 26 دولة من خلال مركزها في الدار البيضاء”.
وأردف التازي: «أنتقد النظام حول العديد من النقاط، ولكن بخصوص هذه النقطة، كنت دائما أشدد أن الملك ليس فقط صاحب رؤية، ولكن اشتغال الدولة أيضا يسير في اتجاه مواكب لرؤيته». ورغم أن المتحدث يرى أن «حضور الأبناك المغربية في أفريقيا استراتيجية كبيرة، ونهج ذكي وصحي بالنسبة للاقتصاد المغربي»، فقد قال كلاما قاسيا عن جوانب أخرى من السياسة الاقتصادية، حيث اعتبر مثلا أن تقديم الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة «فشل فشلا ذريعا”.
واستطرد أن «المغرب، مع ذلك، كان ناجحا في جذب مصنعي الطيران والسيارات الدوليين ــ مثل «رونو» و«بيجو سيتروين» و«بومباردييه» و«بوينغ» ــ في إطار سياسة تهدف إلى زيادة الصادرات بفضل انخفاض تكلفة اليد العاملة في البلاد وقربها من أوروبا. وفي العام الماضي، تجاوزت صادرات السيارات، للمرة الأولى، البضائع التقليدية مثل الفوسفات والنسيج، وهناك خطط متقدمة لتوسيع صناعة السيارات”.
ويقول التازي إنه «في مجال الطيران والسيارات، حقق المغرب «جزرا للنمو، في بحر من عدم النمو». غير أن البلاد ما زالت تحتاج الى معالجة مشاكل مثل الفساد وضعف التعليم التي تعرقل الاستثمار المحلي”.
وتابع في هذا السياق «لقد عدل المغاربة عن الإستثمار في التصنيع لأنه من الصعب جدا تسيير المشاريع الصغيرة والمتوسطة في التصنيع»، وأضاف قائلا: «تجد نفسك محاصرا بالفساد وبيروقراطية على درجة غير عادية من الصعوبة» مبرزا أن «العقبات الرئيسية أمام الاستثمار سياسية للغاية. إذا كنت ترغب في محاربة الفساد ستجد نفسك وجها لوجه ضد مصالح قوية في النظام”.
هناك اعتراض آخر يتمثل في سيادة القانون، حيث قال إنه يأسف للقرار الذي اتخذته السلطات في سبتمبر الماضي عندما منعت في الدقيقة الأخيرة شركة الأثاث السويدية «إيكيا» من فتح أول فرع لها في البلاد، بسبب التقارير التي أفادت أن السويد تعتزم الاعتراف باستقلال «الجمهورية الديمقراطية الصحراوية العربية»، والتي تنازع المغرب حول السيادة على الصحراء الغربية.
وقال المتحدث: «لقد كانت «إيكيا» تنتظر الحصول على الترخيص بفتح متجرها. هل لك أن تتخيل الخسائر التي تتكبدها كل يوم؟ ماذا سيقوله الذين يؤثرون على إدارة «إيكيا» عن المغرب لمستثمرين آخرين؟ إذا كان لدى فرنسا حضور قوي في المغرب ولديها إمكانية لحماية مستثمريها، ماذا بوسع الآخرين مثل ألمانيا وفرنسا والسويد أن يفعلوه؟ “.
وعلى الرغم من هذا الإستياء يرى التازي أن المغرب لا يزال المكان الأسهل للإستثمار ضمن دول غرب افريقيا. كما يؤكد أنه على الرغم من كونه علمانيا ليبراليا، فإنه ليس قلقا من كون الانتخابات منحت المغرب رئيس وزراء اسلامي، عبد الإله بنكيران، من حزب «العدالة والتنمية”.
وتابع قائلا: «لا أشترك مع الإسلاميين لا في القيم ولا في المبادئ ولا في الأيديولوجيا، ومع ذلك يجب أن أعترف بأن التقدم الذي حققوه مفيد للعملية الديمقراطية في المغرب»، وختم كلامه بالقول إنك: «إذا أخذت الأمور من منظور طويل الأمد، فإن هناك تحسن لأن هناك، للمرة الأولى في التاريخ، من تولى منصب رئيس الحكومة بإرادة الشعب، وليس بإرادة القصر”.