Banniére Tmar

الفنجان المقلوب

0

 

نورالدين مفتاح

الشيء الذي يُجمع عليه كل المختلفين، هو أن انتخابات 2021 ستسجل رقما قياسيّا من حيث عزوف المواطنين عن المشاركة فيها، وبالتالي، فإن أكبر حزب في المغرب سيتقوى ويتعزز هو «حزب السدّاري»: اذهب أنت وحزبك إنا ها هنا لقاعدون!

ففي بلد يكاد عدد من يحق لهم التصويت فيه يصل إلى 20 مليونا، لا يذهب منهم للاقتراع إلا خمسة ملايين ونيف، ولم يحصل الحزب الأول الذي حصد 125 مقعدا إلا على مليون صوت ونيف، مع أن هذه النتيجة الأخيرة كانت رقما قياسيا حققه العدالة والتنمية في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية.

إن النقطة الإيجابية التي سجلتها الدولة في هذا الموضوع هي الالتزام الصارم بالمواعيد الانتخابية، رغم الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد ضمن دول العالم بسبب جائحة كورونا غير المسبوقة، إلا أن جل الاستعدادات التي تجري للتهييء لهذه الانتخابات تسير في اتجاه واحد هو المزيد من تكريس وجاهة العزوف والتذمر من الممارسة السياسية والكفر بجدوى السياسة في التغيير.

إن تاريخ المغرب موصوم بالكثير من الندوب في الانتخابات التي كانت سمتها لمدة أربعة عقود هي التزوير. وإذا كانت هذه الممارسة قد انتهت، فإن الذي لم ينته هو هذا التهيب الدائم من الاحتكام إلى الآليات الديموقراطية كما هي متعارف عليها عالميا. إننا في كل انتخابات مضطرون لاختراع عجلة ضوابطها، والتصادم الحزبي حول السبل التي تحجم الأقوياء وتنفخ في الضعاف. وهذا لا علاقة له بواقع اليوم فقط الذي يوجد فيه العدالة والتنمية في الميزان، بل جرى أيضا في أول انتخابات يمكن اعتبارها الأقل سوءاً وهي التي حملت الاتحاد الاشتراكي للقوّات الشعبيّة إلى الصدارة دون أن يواصل قيادة حكومة التناوب في ما يعرف بقصة المنهجية الديموقراطية التي تحدث عنها الراحل عبد الرحمان اليوسفي بإسهاب في محاضرته الشهيرة ببروكسيل.

فهل كان الاتحاد الاشتراكي يشكل خطرا ظلاميا كما يقول خصوم البيجيدي اليوم؟ أبدا! وهل حكم الاتحاد الاشتراكي أكثر من اللازم؟ بالطبع لا! وهل اكتسح وهل وهل… إنها كأس ذاقها حزب بصم تاريخ الصراع من أجل الديموقراطية في البلاد وقاد انتقالا سلسا للحكم، ولم يمكث في الحكومة إلا أربع سنوات، ضاعت بعدها أحلام الكتلة التي كان يجب على الأقل أن تعمّر عقدا من الزمان ولكن، ها نحن نرى أين وصل الاتحاد ساقياً لكؤوس كان أول من ذاق من مرارتها، وفاقدا للقدرة على المنافسة في الميدان ومتزعما في كل مرّة للتخريجات والتحويرات التي يمكن أن تحمل أي لون إلا لون الاصطفاف إلى الخيار الديموقراطي.

إن العنوان الذي يريده جزء من الدولة لانتخابات 2021 هو أن تكون منسجمة مع التحولات الدولية التي انقلبت رأسا على عقب. فلا يمكن في عرف هؤلاء أن يبقى الإسلام السياسي في عنق المغرب لوحده، ولا يمكن للحزب الإسلامي أن يبقى ضداً على إرادة جل النخب، ولا يمكن للمغرب أن يستمر في لعبة شد الحبل التي تشل عمل الجهاز التنفيذي. وهناك من يقول: من هو هذا العدالة والتنمية الذي خلقه عبد الكريم الخطيب ولم يكن له سجل يذكر في الصراع التاريخي من أجل إقرار الديموقراطية، حتى يقطف ثمارها ويترأس الحكومة لحد الآن لمدة عشر سنوات ويريد المزيد؟! ويضيف أصحاب هذا التوجه إلى حججهم كون الديموقراطية ليست آليات فقط ولكنها دوزنة وتوازن، خصوصا أن شرعية قيادة الحكومة لا يمكن أن تبنى على مليون صوت في بلد الأربعين مليون مواطن، وبالتالي على الحزب الإسلامي أن يتواضع ويعي قواعد اللعبة، لأننا ببساطة في انتقال ديموقراطي صعب.

وهذا التوجه ليس لجزء من الدولة فقط، بل وجد له صدى داخل قيادات الحزب الإسلامي نفسها – مع وجود الفارق – حيث طرحته بعمق السيدة أمينة ماء العينين داعية إلى إيجاد سبل إنهاء لعبة «شد ليا نقطع ليك» بين البيجيدي وغرمائه، وطرحها مصطفى الرميد أيضا بطرحه لـ «التحجيم الذاتي». ولكن حتى هذا الطرح من داخل الحزب الأغلبي بدا وكأن فيه نوعاً من التعالي أو الثقة الزائدة في النفس، وبالتالي، فالطريق إليه غير واقعية، والواقعي ألا يقف العثماني وإخوانه في وجه حلول قد تكون في صالح هذا التوازن مرحليا وكفى الله الجميع شر المواجهات.

وهنا ظهر مصباح القاسم الانتخابي العجيب، وهو باختصار احتساب نتائج التصويت على اللوائح الانتخابية باقتسامها على عدد المسجلين في هذه اللوائح، بدل اقتسامها على عدد المصوتين. وهذا التغيير سيجعل من شبه المستحيل أن يظفر أي حزب بمقعدين أو أكثر في دائرة واحدة. وكما سيتبين في العمل الذي قمنا به في ملف هذا العدد من خلال إعادة احتساب نتائج انتخابات 2016 بناء على القاسم المقترح اليوم، فإن أكبر متضرر سيكون هو حزب العدالة والتنمية، ولكن ستستفيد أحزاب صغيرة كالاشتراكي الموحد أو التقدم والاشتراكية فيما سيختفي سيناريو الاكتساح ولن يحصل أي حزب على أكثر من 70 مقعداً.

هذا لا يعني أن العدالة والتنمية لن يتصدر الانتخابات، ولكنه احتمال ضمن احتمالات عديدة أبرزها تصدر هذه الانتخابات من طرف «البام» أو الأحرار إذا تحالفا. ورأيي المتواضع أنه حتى ولو جاء العدالة والتنمية أولا بفارق مقاعد بسيط، كما كان حال الاتحاد الاشتراكي في 2002، فإنه لن يترأس الحكومة ما دام أن تحالفا سيخلق أغلبية بدونه، ولن يستطيع تشكيل حكومة حتى ولو عين رئيس حكومة من داخله، وآنئذ سيتم اللجوء إلى خيار آخر في تفسير الفصل 47 من الدستور.

وعلينا أن نتذكر بلاغ الديوان الملكي الذي أعفى السيد عبد الإله ابن كيران كرئيس حكومة معين بعد البلوكاج، حيث أشار إلى تعيين سعد الدين العثماني «كخيار ضمن خيارات أخرى»، وفي 2021 ستكون الخيارات الأخرى لا محالة هي الواردة، ما لم تسقط صناديق الاقتراع الملتحين إلى ما دون الصدارة.

إن القاسم الانتخابي بالطريقة المقترحة اليوم، كجمرة حارقة في يد السيد سعد الدين العثماني، لا يمكن اعتباره بأي مبرر من المبررات آلية انتخابية ديموقراطية، لأنه ببساطة غير منطقي إن لم يكن سورياليا، ولكن الأمر هنا لا يتعلق بمسائل قانونية تقنية بل بمسائل سياسية واضحة لمن يقرأ التاريخ القريب، على الأقل منذ ميلاد «حركة لكل الديموقراطيين» إلى الآن.

إن المشكلة في المغرب الحبيب ليست في الانضباط للآليات الديموقراطية، فهذا مسلسل ونحن في حافلة الانتقال، ولكن المشكلة في بعض النخب الحداثية التي عوض أن تشكل بديلا قويّا يحقق تناوبا مطلوباً بينها وبين اليمين الديني المحافظ، شكلت شبكة منافع ومصالح ضيقة تأكل ولا تشبع، وفي الامتحان لا تنفع، حتى تحوّلت إلى عالة على الجميع بما في ذلك الدولة نفسها، فلك الله يا وطني.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.