المنبر الحر | عندما تلعب الانتهازية السياسية بمصير الشعب
بقلم: ذ. حسوني قدور بن موسى
“الغاية تبرر الوسيلة”.. هذا المبدأ الذي تبناه ميكيافيلي، المفكر والفيلسوف السياسي الإيطالي في القرن 16، والذي درسناه في العلوم السياسية بكلية الحقوق، كان بالنسبة لنا كطلبة جامعيين، مجرد أفكار فلسفية، لكن بعد مرور الزمن واحتكاكنا بالسياسة والسياسيين، لاحظنا أن هذا المبدأ يستخدم فعلا في الحياة السياسية، عندنا في المغرب، منذ بداية الاستقلال إلى يومنا هذا، واعتبرت هذه القاعدة هي الانطلاقة الأولى التي ينطلق منها كل زعيم سياسي انتهازي، حيث يضعها نصب عينه ويتبناها لتبرر له الفساد الأخلاقي والنهب والسلب والسرقة حتى لو أدى ذلك إلى استخدام العنف والقوة، وهذا ما نشاهده على أرض الواقع في الانتخابات البرلمانية والجماعية،حيث يظهر فيها المرشحون الانتهازيون قوتهم وعظمتهم لزرع الخوف والرعب في نفوس المواطنين من أجل السيطرة على السلطة والمال، ويعتقد أنه فعل ذلك من أجل المصلحة العامة،بينما هذه الوسيلة تؤدي إلى الدمار والقتل والتفكك والفساد.. فتصبح الدولة تتخبط في الفوضى بعيدة عن النظام الذي يحفظ الأمن والأمان والاستقرار في المجتمع، فكيف لدولة عصرية أن تقوم على قاعدة تسلب الأمن والأمان من المواطنين، فتبرر لهؤلاء المفسدين والانتهازيين وقطاع الطرق نهب خيرات وثروات البلاد عن طريق استخدام السياسة الانتهازية واستغلال الدين في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية الثقافية، مع ما يرافق ذلك من تشديد الآلة القمعية ضد كل من يحاول تغيير هذه القاعدة الانتهازية التي يستفيد منها المفسدون.
وفي المقابل، توجد فئة من أصحاب الغاية النبيلة الذين يبحثون عن الوسائل السليمة الصحيحة والمفيدة للشعب، هم دائما في معركة مع الفئة الخبيثة التي لا تحمل الخير للشعب والمجتمع.
تعتبر عملية صناعة القرار السياسي من أبرز وأخطر المهام التي يقوم بها أي نظام سياسي، على اعتبار أنها حصيلة انصهار كثير من تفاعلات أركان النظام بأكمله، ولا يقتصر الأمر على السلطة التنفيذية فقط، وإنما ضروري جدا فسح المجال لدور النقابات والمجتمع المدني.
تعتبر عملية صنع القرار السياسي محل اهتمام علمي في الدراسات السياسية بمجالاتها المختلفة وفروعها المتباينة، ولم يعد تحليل عملية صنع القرار السياسي مقتصرا على القرارات الداخلية في الدولة، بل امتد إلى القرارات التي تتخذها الدولة في النطاق الخـارجي، ولذلك أضحى التمييز بين ما يسمى قرارا داخليا وبين ما يسمى بقرار خارجي أمرا هاما، كما أن دراسة عملية صنع القرار السياسي تعد مدخلا مهما في فهم طبيعة النظم السياسية في جميع دول العالم بصفة عامة، ودول العالم الثالث بصفة خاصة، فتحليل عملية صنع القرار السياسي تكشف عن مدى ديمقراطية الأنظمة الحاكمة في العالم الثالث، ودرجة تطورهذه الأنظمة والتوجهات الأساسية للنخبة الحاكمة، ومن هم الأشخاص المسـيطرون على العملية السياسية؟ وكيف يديرون الدولة من خلال القرارات السياسية المختلفة ولصالح مـن؟ وأساليب هؤلاء في صنع واتخاذ القرارات؟
وقد خلصت الدراسات إلى نتيجة مهمة تتركز في أنه كلما اتسعت دائرة المشاركين في صنع القرار السياسي من حيث عدد الأفراد ومن حيث أدوار المؤسسات الدستورية الفعلية، كلما يكشف ذلك عن تطور حقيقي في أداء النظام السياسي نحو الديمقراطية، وبالتالي، فإن احتمال النجاح يصبح أكبر من احتمالات الفشل في إصدار القرارات السياسية، فالقرارات كما يعرفها ديفيد إيستون، هي “بمثابـة مخرجات النظام السياسي أيا كان شكله، والتي يتم من خلالها التوزيع السلطوي للقيم”.
إن الأحزاب السياسية في المغرب، منذ الاستقلال، هي معدة أصلا للاستيلاء على الحكومة والبرلمان بوسائل انتهازية بمشاركة بعض فئات المواطنين الذين يبيعون أصواتهم بثمن رخيص للانتهازيين مقابل الدقيق والسكر والزيت.. لكن يتبين أن أغلبية المواطنين لا يشاركون في الانتخابات، وهنا يبرز دور الشخص التحكمي الذي يمسك بكل خيوط صنع القرار السياسي دون مشاركة الشعب، ولذلك اتسم القرار السياسي بقدر كبير من الشخصانية تطبيقا لما عرف بالديمقراطيةالمركزية وإن غلف القرار بطابع مؤسساتي حتى يكتسب قدرا من الشرعية، وهنا يأتي دور زعماء الأحزاب الانتهازية واللجوء إلى الأساليبالميكيافيلية لمباركة القرارات السياسية، من أجل توزيع المنافع كشكل من أشكال الترضية السياسية وكسب الدعم والمساندة، فلكل نظام سياسي شياطينه بالطبع،لذلك نلاحظ أن بعض الوجوه الانتهازية ظلت جاثمة على السلطة منذ فجر الاستقلال.
إن المفهوم العام والبسيط للمشاركة السياسية هو حق المواطن في أن يؤدي دورا معينا في عملية صنع القرارالسياسي في أوسع معانيها، وفي أضيق معانيها، تعني حق كل مواطن في أن يراقب تلك القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاكم، وهي تعني عند صموئيل هنتكتون، وجون نيلسون، ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع قرار الحكومة، إلا أن الانتهازيين المتخصصين في عمليات تدويخ المواطنين بالوعود والشعارات يقفون ضد الجماعات الضاغطة التي تسعى إلى مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية، لهذا، فإن الانتهازيين والمنافقين هم أخطر بكثير من النظام الاستبدادي.