سيظل الوطن في قلبنا، حتى ولو لم نجد على أديمه شبرا لدفن راية الاستسلام
“وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه” كاتب سهى البال عن اسمه
عبد العزيز كوكاس
لكم أن تراكموا الثروات كما شئتم وبالقدر الذي تقوى على حمله حساباتكم البنكية في الداخل كما في الخارج، ولنا أن نُكَوِّم أحلامنا عن وطن نشتهي أن نليق بالانتساب إليه ويليق بنا…
لكم أن تَعْلوا المنابر، وأن تحتلوا واجهات الصحف، وأن تسكنوا شاشات تلفزيوننا المتعدد في أشكال الرداءة، لتتوحدوا على إمطارنا بغيرتكم على الصالح العام الذي لا يستقيم بدونكم، ومصالح العامة التي تضيع في منتصف الطريق إلى نعيمكم، لكم أن تَغْتَمُّوا لأن المطر بلَّل معطفكم في الطريق إلى موعد عاشق أو لقاء رسمي، أو لأنه عرَّى عورة صفقة طريق أو زيف سور انهار على طفل استند إليه ليحلم بحقه في مأوى أو مقعد في المدرسة.. ولنا حرقة في القلب ووجع في الدماغ على وطن نكسو أديمه بما تبقى من جلدنا، فيما لا زال يخفي ظل ابتسامته عنا، وهو وإن جار علينا عزيز..
لكم الشاشات الملونة، الورق الصقيل للمجلات الوردية، الصحون المقعرة، الحسابات البنكية المنتفخة، والعرَّابون في مراكز القرار.. ولنا المواجع كلها، فتين قلبنا لا يبتسم إلا حين يُشَرَّح…
لكم الجنسيات المزدوجة، والمظلات الوردية الواقية من وابل المطر أو ضربة شمس، ولنا حافة للنِّسيان وموعد في كل منتصف طريق، مع جحافل البق وجيوش الحشرات التي تقتات على أجسادنا، وما تراكم على ظهر الزمان من غم وحزن!
لكم أن تزرعوا الشوك على طريق حلمنا، وتجنوا زهر الزعفران من وخز جراحنا، فنحن دَوماً النصف الثاني الفارغ من كأس أفراحكم، لأنكم دوما متشائمون باستمرار وجودنا على ظهر البسيطة، برغم ما سلكتموه لمحونا.. لكم أن تختاروا، وبمحض أذواقكم، على أي وردة تستقر النحلة، وكيف توجهون نسلها. ولمن تمنحونه الصبر على لسعة شوكها دون تذوق طعم عسلها.. لنا ما لنا من ملح الوطن وصهد شمسه، واحات للأمل ننشرها كلما ضاقت بنا أرض الله الواسعة، مقابر تطفو على الماء، شبر على زليج زنزانة عقاباً على سرقة صغيرة أكبر من جرمكم!!
اسألونا عن ذكركم بأنكم موجودون دائما، وتسلّوا عن ذكرنا: فنحن مجرد عدم، وإن كانت ضرورة لوجوده، فذلك فقط من أجل أن نكون في خلفية الصورة التي تأخذونها للذكرى، أن نملأ الكراسي، أن نحج للتصويت زرافات وحميراً، وأن نكثر من نعمة التصفيق على خطبكم وتصريحاتكم، لما في ذلك من خير عميم على سلامة الديمقراطية ومستقبل أبنائنا، الذين سنورثهم ذل العمودية مثل وردة تلد زهرة في مزهرية، أو طائراً يلد صغاره في قفص…
لكم حق التحكم في أرزاقنا وأنعامنا وقد تحددوا وقت معاشرتنا لنسائنا كي لا نُثْقل عليكم الكرة الأرضية بصغارنا الكادحين، لنا ما علينا، نريد فقط أن نحيى دون أن نطأطئ رأسنا بذل، وأن نرفع أنَفَتنا ليس كسنابل فارغة في مهب ريحكم، ولكن لنشعر فقط بكينونتنا، نستف التراب إذا جُعنا، لكن أن نحيا بكرامة وبكبرياء، فعلى هذه الأرض ما يستحق أن يُعاش…