ما للملك وما لأخنوش

0

انعقد عصر يوم السبت الماضي، فاتح يونيو 2024، مجلس وزاري برئاسة الملك محمد السادس، أسفر عن قرارات واختيارات لم يكن أي من “المراقبين” أو الصحافيين، المأذون لهم وغير المأذون، يتوقعونها أو يقتربون “من ساحتها” حتى!

 

المجلس الوزاري هو مؤسسة دستورية، بل إنه أسمى المؤسسات الدستورية على الإطلاق، بما أن جل السلطات الملكية تمرّ بالضرورة عبر هذه المؤسسة.

 

وإذا أضفنا إلى ذلك الإيقاع الذي ينعقد به هذا المجلس، أي مرة كل ثلاثة أشهر في المتوسّط العام، نصبح أمام حدث استثنائي شديد الأهمية، يستحق كل الاهتمام والتأمل الممكنين.

 

وأول ملاحظة تثيرها مخرجات المجلس الوزاري الأخير، هي حالة الشرود التي وضع بلاغ الديوان الملكي الجميع فيها. بعدما أعلن نتائج وقرارات بعيدة كليا عن كل ما سبق هذا الاجتماع من نقاش وتنبؤات.

 

لا تعديل حكومي سبقه، ولا لائحة جديدة لعمال ولاة الداخلية لحقته، ولا حتى تخمينات الاعتمادات المالية الاستثنائية لحساب ميزانية الدولة أو توجهات مشروع القانون المالية المقبل أعطت بعض المصداقية لكل ما راج قبل انعقاد المجلس.

 

لا أدري هل يتعلّق الأمر بملمح إيجابي في تدبير الشؤون الحيوية والاستراتيجية للدولة، أم بانعكاس لحالة انفصام تام بين ما يتقرر وينجز بالفعل وما يناقش ويتلهى به الرأي العام؟

 

لكننا في جميع الأحوال أمام دولة بأجندة راسخة واضحة تُنجز بكل الثقة الممكنة، ورأي عام تقوده طبقة سياسية أقصى ما يمكن أن تتشارك مناقشته معه هو قبلة وزيرة وفلتة لسان وزير.

 

بل إن جل وزراء الحكومة لم يكونوا حتى زوال اليوم نفسه، أي السبت فاتح يونيو 2024، متأكدين من حضورهم المجلس الوزاري من عدمه، لسيادة حالة الترقب حول التعديل الحكومي المنتظر، أي أن الحكومة نفسها لا تحضر إلا بالحد الأدنى الذي تتطلبه مصادقة المجلس الوزاري على بعض القرارات.

 

في النهاية أسفر المجلس الوزاري عن تعيين خمسة مسؤولين على رأس مؤسسات حيوية في حاضر ومستقبل المغرب، تهمّ شرايين وأوردة اقتصاد وأمن واستقرار البلاد، في مجالات النقل الجوي والبحري والطرقي، إلى جانب شبكتي الماء والكهرباء والطاقة المستدامة.

 

لا يهمنا هنا الوقوف عند مستوى التأثير الحقيقي للوزراء الذين يفترض أنهم “يقترحون” على الملك الأسماء التي يتم تعيينها في المجلس الوزاري، خاصة بعد الرواية التي حكاها أخيرا الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، إسماعيل العلوي، عن طريقة اختيار المسؤولين المقترحين على الديوان الملكي، وكيف انتهت بعض مقترحاته، كوزير للفلاحة قبل أكثر من عشرين عاما، إلى تعيين أشخاص لا يعرفهم أصلا، بما أنه وضعهم في ذيل اللائحة من باب استكمال شكليات الاقتراح لا أكثر…

 

سنهتم هنا بخاصية واحدة يتقاسمها المعيّنون الخمسة الجدد على رأس مؤسسات حيوية واستراتيجية، وهي كونهم جميعا تخرجوا من المدارس الفرنسية التي ظلت منذ عقود تفرّخ التكنوقراط الذين يستعين بهم “المخزن” في تدبير المملكة.

 

فجوة أخرى ينبغي تسجيلها بين كل تلك “الهيلالة” التي تصمّ الآذان في نقاشات السياسيين والإعلاميين والأكاديميين، حول القطع مع المرجعية الفرنسية في الحكم والتسيير، وبين ما يتم ويتقرر في نهاية المطاف من قرارات واختيارات رسمية للدولة.

 

أكثر من ذلك، وإذا كان لابد من النبش أكثر في الخلفيات المهنية للمسؤولين الجدد في مواقع حيوية داخل مؤسسات الدولة، سنلاحظ أن اثنين منهم مرّا بتجارب مهنية داخل اخطبوط “طوطال” الفرنسي، والذي يعتبر من الأذرع التي تشكل قوة الدولة العميقة في فرنسا.

 

بينما حاولت بعض الأصوات المأجورة وبعض المسمّعين، في الفترات التي كان فيها النقاش حول لوبي المحروقات المغربي وما فعله في جيوب المغاربة، أن يقنعونا أن موقع شركة عزيز أخنوش في السوق ما هو سوى وسيلة لحماية السيادة الوطنية وقطع الطريق على شركات أجنبية مثل طوطال الفرنسية…

 

وإذا تركنا موضوع المنطقتين الصناعيتين اللتين ستخصصان للصناعات العسكرية جانبا، باعتباره يندرج ضمن المجال المحفوظ دستوريا للملك، فإن قرارات المجلس الوزاري شملت خطوة تعيد إلى الأذهان نقاش “ما للملك وما لبنكيران”، أي ذلك الزمن الذي كان فيه جزء من الرأي العام المغربي يتابع و يناقش موضوع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، ويطرح من خلال ذلك سؤال التوازن في الصلاحيات ومدى ضرورة إلحاق بعض المؤسسات بخانة التعيينات التي تتم في المجلس الوزاري، وما إذا كان رئيس الحكومة وأغلبيته البرلمانية يقدمون تنازلات لا ضرورة لها ويتهربون بالتالي من تحمل مسؤولياتهم…

 

مشروع القانون التنظيمي الذي صادق عليه المجلس الوزاري هذا السبت، ينص على إضافة ست مؤسسات جديدة إلى قائمة المناصب التي يعيّن القائمون عليها بعد التداول بشأنهم في المجلس الوزاري، أي تحت إشراف الملك، ويتعلّق الأمر بكل من وكالة تنمية الأطلس الكبير، والوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، والهيئة العليا للصحة، والمجموعات الصحية الترابية، والوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، والوكالة المغربية للدم ومشتقاته.

 

وإذا كان التعيين داخل المجلس الوزاري، على رأس كل من وكالة تنمية الأطلس الكبير المرتبطة بمشروع استثنائي فرضته مخلفات الزلزال، والوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي التي يعتبر بديهيا “تحييدها” سياسيا كي لا يصبح الدعم الاجتماعي أداة للصراع الانتخابي، فإن التعيين على رأس المؤسسات الأربع الأخرى يجعل علامة استفهام كبيرة تِطرح مستقبلا حول دور ومبرر وجود وزارة للصحة داخل الحكومة.

 

هل يطرح الأمر سؤال ما للملك وما لأخنوش، أي توزيع صلاحية التعيين بين الملك ورئيس الحكومة؟

 

عفوا، نسيت أن أخنوش أصلا قدّم حصيلة عمل الملك عندما شرّف البرلمان بالزيارة في منتصف ولايته الحكومية… وبالتالي أسحب السؤال.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.