Banniére SIAM

لدي ما يكال/يقال ، هل هي بداية السخرية من كل شيئ!

0

تمس السياسة جوهر الوجود من خلال السؤال الفلسفي الذي يتحول طبيعيا اما الى :

-1 ايديولوجية .

– 2 طرح محايد علمي وثقافي يحتاج دائما الى وسائل اثباته.

عموما في كل مكان من هذا الوجود هناك على الدوام ثلاث ارادات تتصارع رمزيا اولا ثم بكل الوسائل الاخرى …

-1 ارادة تدعي شرعية امتلاكها ما ينفع الناس .

-2 اخرى مناوءة ترى انها الاصلح.

-3 ثالثة غير مبالية “محايدة”.

وفي العمق واينما حللت ونحلت كان الفرد يؤسس قناعاته، مخاوفه، عزائمه ، جولاته، وفرادته، على ثلاث مقومات بحسب الابيقوريين:

– ا اشكال مقاومته.

– ب تاريخه الشخصي.

– ت قيمه او تربيته.

في كل هذه العناصر الثلاث لو امكن الحديث بتفصيل عنها فانت امام مثقال من المفاهيم والتاويلات والبراهين الغير المكتملة ، والطروحات التي كلها ستدعي الجواب النهائي والتمهيدي لفهم الفرد. وفهم ما امكن غاياته و عيوبه التي يكافح منذ البداية لنحرها، اقصد “شغفه بالحياة قدام الموت كعيب ميثافيزيقي بالنسبة للوجود الذي يقابله العدم”.

فيما اذا رجعنا الى واقعة ( لدي مايكال ) فانها حادث في قلب التدبير السياسي تسري عليه ( السيولة liquidite ) كما يشرحها “زيغموند باومان ” ، بمعنى سنجد انفسنا بعد زهاء ليلة في خبر اخر وعمليات ( استهلاك – وبقايا استهلاك ) جديدة متواصلة ومتصلة ومتدفقة flux لاغير ، وطبعا منتهية النهار القادم، ستقول لي من الرابح ومن الخاسر في عمليات مثل هذا النوع من الاستبدال(فرويد)!

بالتاكيد يمكن قياس ( الاكراه ) الذي تشكله وتصنعه دفعة واحدة منصات التواصل الاجتماعي الحاملة على متنها ( الخواديم المركزية ) ذات المؤشرات : الاجتماعية والثقافية والدينية والتاريخية والجغرافية والهوياتية المحضة ،بصرف النظر عن فكرة الوطن للجميع ، وهنا اقصد اي وطن واي انتماء . اي ان ( القوة الاجتماعية force sociale ) التي كنا نحتكم اليها بصفتها : قاهرة ،متعالية، ازلية ، لم تعد تنفع، وان مفهوم” الميتافيزيقا” نفسه صار يوضف باعتباره مفهوما متقاعسا امام الذات ،الذات التي تبحر على النت وتستهلك المواضيع والارقام والانتاج بلا هوادة وبلا حساب وبلا” عزل”… بمعنى كل شيء بات مباحا التفاعل من اجله، نقده والسخرية منه كنتيجة لها منطقها السائل .

فذلك المستشار بتلك الجماعة ، لم يخطيء ، ولم يفعل شيئا غير عادي، فقط هو ذكرنا باننا فعلا غير متساوين ثقافيا بين :

– البادية التي عليها ان تظل وفية لقاموس من المفردات التي يحتكم اليها ضمير الجماعة ليس باختياره بل بالقوة الاجتماعية القاهرة .

– المدينة او اسلوب” الحضر” والمؤسسات والخطابات المنمقة ومجال المعرفة الذي ينطق كل شيء ( لغويا، تركيبيا، اسلوبا ) كما يجب، لكن الامر لا يتوقف هنا .

لنفترض ان اي فنان مغربي ، مسرحي، كوميدي، دراماتورج، عالم، مهندس، قروي ،بدوي، اجنبي ،محلي، تحدث بنفس الشكل، سيكون مقبولا بدون اثارة ضجة سائلة ( اي لها زمن قصير وتنتهي ) فقط رجل السياسة هو المقصود، اي هو زاوية المعالجة لانه الحامل بشكل لاواعي بنظر رواد النت الى “القيم الخبرية ” الاصلية.

ساتاكد من ذلك حينما خمنت كثيرا واعدت تركيب كل التمثلات التي يوفرها الفرد من تلقاء نفسه عن عمل السياسيين تقريبا او جميعهم ، فهو، هذا المتلقي والمستهلك للمواد والانشطة التي تصدر عن ( الويب) يظهر فيها المواطن غير محايد عندما يتعلق الامر بالسياسي، الذي عليه ان يتحمل وحده مشاعر السخرية، وافعال السخرية، ومحتوى لا يشيد به ، و هنا نحن بصدد الحديث عن تاطير لما يعتبره “برنار ستيكلر ” بنهاية سيادة الموضوع fin de la souvrainte du sujet. بمعنى ان مفاهيم : الجماهير والقطيع عند ” كوستاف لوبون (سيكولوجية الجماهير the crowd ) انتهت وحل محلها مفهوم الكتل الاجتماعية masse sociales الساخرة من كل شيء واي شيء ،و الخطورة تكمن في امكاناتها المزدوجة الهائلة، فهي :

– كائنات فيزيقية مادية محسوسة، و نعتقد جميعا اننا ننتمي من خلالها تراثيا الى عالم موضوعي objectif

– وضع افتراضي يحاكي بمثالية العبور على القواعد القانونية والاخلاقية و الميتافيزيقية بسند وحيد هو ان التمثل الانساني لفكرة ( الفرد المقهور العاجز ) مع تيار الوجوديين تداعت، لان الفرد اليوم يؤمن وليس يعتقد بزوال كل الحدود، والفرصة لاخراج التابوهات والنكتة والسخرية الى ابعد مدى… ليس لانه يتاثر بفكرة معينة فحسب, لكن لانه وفقط بات يؤمن بمفهوم: (الاثنربوسينيزم )anthropocenism او ما معناه “المركزية البشرية “التي تجاوزت المفهوم الضيق (للمركزبة الاوروبية )egocentrism الذي صار باليا (جون بودريار،روني جيرار، كاي ديبور، باربارا ستيكلر ، سبينوزا ) , فقط لان البشرية اليوم يعتقد فيها كل فرد اينما وجد ان مجال تحركه على الوسائط الافتراضية يعطي له حق قيادة العالم بمشيئته! بعيدا عن اي تفسير يقدم له, يخبره بالضوابط ويحذره من مضمون الاخ الاكبر 1984 . او حجة كامنة في اي مكان تمنعه من تصنيمه fetichisme للتيكنولوجيا، وهنا يمكن ان يشاهد او يتابع الفرد ذلك من خلال دردشات “تيك توك “التي لا توزع بين هذا من هنا وذاك من مكان اخر.. فقط يجمع الناس فعل السخرية والتهكم على اي شيء من الموضوعات التي ينتجها الانسان .

لاقول ان فعل السخرية من السياسي بجماعة بدكالة وهو يستعرض وضعا مخيبا للامال من الفعل العمومي، هو بداية لمزيد من السخرية التي تتحاشى الواقعي الموضوعي الى الافتراضي، وتسجيل موقفها في فضاء تعتبره الكتل مجال للتعبير بشكل صريح عن الاوجاع والاهتمامات والايمان والرفض، الذي يمنعها فعله على حدود المجال الخاص والعام الفيزيقي الواقعي، لانه بتقدير هذه” الكتل ” صار ينتمي الى القرن العشرين تلك العصور التي لم يتملك فيها الفرد حرية تضاهي هذا المشروع الجديد .

اخيرا ، اعتقد وانا اطالع جملة من الكتابات الجديدة الفلسفية والاجتماعية والتواصلية ، او حضور دروس ودورات مراكز دراسات بلغات اجنبية تقوم على تحليل “الاثنوغرافيا ونظريات التواصل” ethnogrophy and theories of communication ,

وحضور دورات من قبيل:

اعادة التفكير في الدراسات الثقافية المغربية

rethinking moraccan culture stadies

رفقة باحثين دوليين ووطنيين كبار ، يبدو لي اننا وطيلة فترة غير قصيرة من العروض والدروس المهمة النقدية في كل اتجاه ، ان انسان القرن الواحد والعشرون ينتمي الى ثورة رقمية يحركها نمط استهلاك لكل شيء بشكل :

” societe de consommation

غير عادي …ولاي منتوج، شريطة ان تضع هذه الكتل لمستها كما تريد ,اي بحرية ، فيما يكون القرن العشرين “محاكاة وزيف simulacre et simulation” لجون بودريار هو التنحي بالنظر مرة واحدة الى مخرجات القرن الماضي الثقافية ،الذي بني على مقولات من قبيل” عصر التنوير”… وان العلوم هي اساس رغد هذا الانسان الحائر ، الذي ربما يريد من القرن الحالي ان يداوي فيه مضاعفات القرن الفائت في مجالات التنمية والعيش الكريم والحرية والمساواة والحق والتكافؤ وغيره .

المصيبة ان البشرية او” الانثربوسينزم “يضرب في كل بلاد الدنيا بحثا عن ممارسة واعتراف يشبه يوم تحرير الحدود الدولتية لاقامة تجارة عالمية خالية من القواعد القانونية والاخلاقية .

بالتالي فعبارة *لدي ما يقال *هي كتافة لغوية صادرة عن ذات سياسية محل” جدل واعي “ذي حمولات رمزية، ثقافية ،ثراتية، شفهية، اقتصادية، معنوية و مادية… كذلك فهي تتعلق في المخيال والتمثل المغربي بتفاعلات تاريخية غير مستقرة في علاقة المغاربة عموما بالفعل العمومي والسياسات العمومية، التي تمس جوهر وجودهم ،اي الحق في حياة كريمة، فكان السياسي بنظرهم بدافع موضوعي او غيره سبب معاناتهم . للاسف قد يتطور رد الفعل الساخر في مجتمع” الصدمة الاخيرة للقرن الواحد والعشرون” الى السخرية من كل الاشكال الثقافية باعتبار هذا السلوك هو نابع من امكانية افتراضية يتيحها الفضاء المتعدد الاختيارات /واتساب، فايسبوك، تيك توك، انستغرام /ويتقمص الدور فيها انسان الانثربوسين الذي يقطع مع القرن الماضي ذي الطبيعة الفلسفية /الماركسية، الليبرالية، الدولتية القامعة ثارة الواعدة في اخرى بمختلف الايديولوجيات، نحن بصدد اجيال مرقمنة جديدة تريد لنفسها واقعا مغايرا تماما لا حدود فيه لوقف السخرية والتهكم كوسيلة “دفاع ذاتي” يفضلها جيل جديد (15-24) وتحدث فيها عدوى انفعالات لدى المراة والرجل والمسن وغيرهم جميعا ، في مواجهة قضايا عالمهم المزدوج ، بينما السخرية التي بتنا نشاهدها بدءا بعرض الجسد والذات الى كل ما يمس الحياة اليومية sociologie de la vie quotidienne يعيد او يطرح سؤالا عويصا على الفهم محليا : كيف يمكننا حساب تقدير الذات لدى المغاربة انطلاقا مما يشربون ويلبسون ويفهمون ويهتمون ? لاننا امام تحديات لا علاقة لها بازمات القرن الماضي ولا بتفكيره ولا با احاسيسه ، تشير كتابات “هنري جيرار” في” العنف والمقدس” la violence et le sacre ,ان العنف في الانسان منذ الاول هو” استبدال ” ،عند الطفل كما عند الحيوان والانسان الراشد، وكذلك قيام العنف المشروع (الدولة)،وهذا الفهم يتيح لنا فهم كتابات “فرويد ,كوستاف لوبون ,بوريس سيتنليك “حول عقليةالكتل الجديدة ، وبالتالي فالحاجة الى” الاستبدال والمرونة والتكييف “كمفاهيم ينتجها الغرب اليوم الحائر امام بشر القرن الجديد الذي هدم كل المفاهيم والباراديغمات السابقة، وبات الفكر هناك يطالب بالدفع باتجاه مرونة وتكيف لتجاوز الازمة مع هذا العصر ،تلك الازمة التي لم تاتي من القمر ، بل تحتاج الى فهم القرن الجديد بالعلم قصد مراقبة الظواهر ومحاولة ايجاد الوسائل لتفادي السخرية، لانها ذات بعد تراجيدي اكثر منه فرجوي او اعراض عابرة. وهنا علينا بتتبع اثر المسرح اليوناني والروماني الى” سفوكول” ,لفهم كيف ان الركح ما هو الا لحظة للشفقة (تطهير ) من واقع سبارطا المثخن بالجراح داخل الوسط الاجتماعي ساعتها…فماذا بك اليوم في غياب المسرح والفرحة للتنفييس وانتقال الوعي الى منزلة جلد الذات اولا والسخرية منها وتعريتها كليا .

 

 

صبري يوسف : كاتب راي و باحث في علم الاجتماع

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.