العيد: بين اثبات المكانة الاجتماعية وافعال المقاومة.
يكاد لا يخلو مكان من يابسة المغرب وربما بحوره وشطئانه كذلك من حديث المغاربة وهم يدنون من مناسبة عيد الاضحى في طرح سؤالين موضعا للنقاش :
– الاثمنة ،اي اثمنة العيد؟
– الجيب,كم عندك بجيبك؟
تتحول المناسبة المشبعة بالقداسة الراسخة في ضمير الامة وهي تعيد احياء هذا الطقس الديني الى مجالات لابراز المكانة والتنافس في ذلك “مارسيل موس، كلود ليفي ستراوس” ، و يعود الجو برمته الى قصة ابراهيم وابنه اسماعيل، وما يحيط بالموروث من الحديث الجارف عن دور الاضحية في الواجب الشرعي مع الله اولا ثم في ثبات تلك القيم ثانيا .عدا الوجه الاخر لقصة شراء اضحية صارت ذات تجليات : رمزية، اجتماعية، اقتصادية مكشوفة …من اجل ان يبقى الفرد داخل الجماعة محافظا على ديمومته وسطها ومتعرفا به ، او يتعرض للوصم والرفض من حيث انه لم يضح، ولم يكن قادرا على هذا الفعل .
دعونا نتجه صوب مقاربة الموضوع ذي الابعاد الاقتصادية الرمزية الطقسية الانثربولوجية . ودعونا نفصل بعض الشيء بالفهم الاجتماعي لهذه الافعال.. او ردود الافعال والاسباب والتاثيرات التي تقع في مسار الاحداث التي تحمل في كفها الاشكال العام حول: ما الذي يجعل الفرد المغربي في هذه المناسبة يسعى الى الحصول على خروف بكل الاثمان ؟ بالمقاومة ( اي بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة ) او بالدفع السهل مهما كانت ظروف السوق، وشروط هذا السوق لاقتناء ( بهيمة ) لاجل احياء جو يتعدى بحسب الناس تمثلاتهم للحم والدخان والمشوي وغيره .
وقبل ذلك دعونا نخبركم ان مجال الدراسات في الانثرلولوجيا و”علم اجتماع الاديان” واسعة الانتاج ،وان مفاهيم ( الاضحية ، طقس العيد الكبير، الهبة والعطاء ، بوجلود ) كتب فيها الكثير ، ومن ابرزها ما وثقه علماء الاجتماع المغاربة “عبد الله حمودي ، حسن رشيق”، بالاضافة الى ما راكمته الدراسات الاجتماعية والحوليات الغربية في هذا المجال “مارسيل موس,هنري جيرار، فرويد ” وكثير من الاثنوغرافية الانجليزية والامريكية “كليفورد غيرتز واخرون.
بالعودة الى قلب الموضوع ومناسبة عيد الاضحى التي تكاد تضع الفرد( رب اسرة ) امام امتحان (اثبات الذات والانتماء الى المجموعة وضمان الاعتراف به ) ،فيتخذ هذا الاخير من كل وسيلة سببا او شرطا لبروز مظاهر ( مقاومة ) هذا التحديد الاولي، والذي يتعلق بالاسرة او اربابها المنتمين اقتصاديا الى الطبقات المسحوقة اقتصاديا، او تلك الاغلبية في الحالة المغربية موضوع التحليل والفهم، التي لا تمتلك الوسائل الكافية لتوفير مبالغ : 3000 الى 15.000 درهم للمناسبة الدينية لهذا العام ،والتي تتخذ شكل مقاومة عند الاغلبية بحكم الاوضاع الاقتصادية لهذه الاغلبية واحوالها السيئة التي يمكننا التاكد منها والتنبؤ بها، من خلال مجموعة من التقنيات ( الملاحظة البرانية وبالمشاركة، وقراءة في الصحافة والمنشورات والارقام ، والدراسات المؤسساتيةوغيره)، وهي بالتالي قراءة تمكننا من الفهم والتفسير ، بالمقابل هي شكل لاثبات المكانة عند فئة قليلة بشكل ميكانيكي… تتوخى القيام فيه بالمطلوب وهي: اما فئة قادرة على ضمان شراء اضحية بلا حاجة الى المقاومة كاسلوب تحركه علل” سيكولوجية اجتماعية ثقافية مجالية وانتماءات” ، او لان مزايا الاقتراض تصبح ضمانة لرب اسرة في هذا الباب ممكنة لاقتناء اضحية وتدبير مبلغها بسهولة، ومن ثم الثبات داخل البنيات الاجتماعية كفرد واسر قادرة على الوصول الى (الخيرات الرمزية والمادية للوطن) بدون قلق، وبدون الحاجة الى مقاومة تتسم بكونها مكشوفة مفضوحة وتتصل بكل الوسائل التي يعمد اليها الذين لا يتوفرون على ارصدة مالية ، او وظائف مهمة، او علاقات و مصاهرات وروابط بالغير، التي تمكن ذاك الغير بحكم ، الدم والقواعد الاسثتنائية ( الجوار، المعارف، القبيلة، الدم، رائحة الشحم في الشاقور، التعصب الجدري الفئوي الغير المشروط، الانتهاز، التوظيف، المحسوبين على غيرهم، واشكال متعددة من هذا الاتجاه) الى التفكير الف مرة في اتباع شكل مشروع للمقاومة كما اسلفنا لتوه، او الى الاعتماد على نماذج للمقاومة الغير المشروعة وهنا سنتحدث عن ( السرقة التي تنشط بالاسواق ، وسرقة الاضاحي بالضيعات والملكيات الخاصة “فراقشية” السطو الجماعي على حافلات محملة بالخراف كما حصل قبل سنوات قريبة، بروز اشكال من الانحراف المرافق لايام ما قبل العيد، كالتسول، الدعارة، التمسح بامكنة العبادة الغير الاعتيادي، التماس عطف المارة بكل الوسائل). واخيرا ما يمكن ملاحظته اليوم على “السوشيل ميديا” كنوع جديد من ادوات المقاومة الالكترونية بما فيها ترديد عبارات “عندك تعيش ماعندكش ….، واشكال اخرى تعتمد المفردة ، والنكتة، ومسرحة الطقس ، او بروز اشكال من الكتافة اللغوية باستعمال “ذكاء المجموعة ” ، عبر وضع الصور والتعليق عليها او الهجوم على المدبرين العموميين، والهجوم على الرموز وعلى كل ما يتصل بالمكانة، مكانة الفرد الاجتماعية التي يراها تتشظى كل عام بدون حيلة للخروج من وصم تلك الاحكام الغير المقبولة عنده في جو ضاقت فيه” اليات لبريكولاج ” التقليدية التي كانت تعتمد ( التضامن)، وبالتالي وبحكم وضع يصير يمس بقلب تقدير الذات وتجليات ذلك على مفاهيم اخرى تتصل بمجال واسع في علم النفس وعلم الاقتصاد تحديدا .فان افعال المقاومة تتسع …وتمكن الحالة الراهنة من قياس درجات الفقر في المجتمع المغربي والهشاشة والانحراف واشكال المقاومة(17مؤشر للتنمية البشرية ،93اجراء، 39مبدا ), التي اختصت بها مباحث علمية كبيرة تتصل بسوسيولوجيا الشباب، والانحراف والتنمية، والمقاومة في الفضاءات العامة التي تبحث كلها في فهم الظواهر الاجتاعية، فيما اعتقد في فترات من كل سنة عندما يقترن الامر بالحديث عن طقس مقدس ديني او مناسبات تحتل فيها المكانة statut الرقم واحد. لتطفو على السطح” عدوى انفعالات” يمكن قياسها بشكل واضح على مضمون التفاعلات بالواقع كما بالافتراضي… تعيد الطرح الماركسي الى الواجهة حول سؤال: le plus value الاكثر قيمة،وجهد العمل، ويدعونا الى اعادة فهم اعمق بادوات علمية سوسيولوجية اقتصادية غايتها: ان مثل هذه المناسبات ذات الكتافة (اي كتافة كانت)هي فرصة حقيقية لفهم علم دراسة cap: الاتجاهات ، المعارف ،والممارسات في مجتمعات تتسم بسلطة العرض societe de spectacle “كاي ديبور” مؤثرة وشاقة على التجاوز والتكييف، في جو يحتاج الى ان الظواهر خلقت ليس للترفيه عنا، او تجاوزها في مجتمع استهلاكي، societe de consommation” جون بودريار” بل الوقوف عندها لتقييم المجتمتع ومراقبته والتنبؤ بمستقبله وفهم ما يتوجب فعله في الحاضر .
صبري يوسف: كاتب راي وباحث في علم الاجتماع