مواسم التبوريدة بالمغرب : بعض من التنشيط الغير البريء ؟
سيغضب الكثيرون ونحن نتناول هذا الموضوع ذي الابعاد :التاريخية ،الثقافية ،الاثتنية والدينية وما يحمله من دلالات رمزية ومادية في جوف الجماعة وعقبها ، انما سنحاول تفكيك الاشكال بعيدا عن اي قصد او مس بفكرة الفرجة والسفر في الذاكرة التي يعشقها الناس في ذواتهم و تاريخهم المشترك ، قبل كل التفسير المباشر الناتج عن ما بات يخفيه الموسم او مواسم التبوريدة من الرهانات “الغير المعلنة ” ،والتي طبعت ملاحظتنا لاكثر من موسم واكثر من تظاهرة في هذا الباب ، وبالتالي على ضوئها سنقوم بالتحليل و علينا ان نوضح الاتي:
نحن اولا : مع كل اشكال التنشيط، animation , ومع كل التظاهرات التي تنتجها اي جماعة باعتبارها طقسا خاصا تتحمل فيه تلك الجماعة ما يلزم لاقامته؛ ويكون فصل الصيف المناسبة الحقيقية لفعل لذلك ،لانه يتعلق بالعطلة تقريبا في قطاع التعليم وجزء مهم من القطاعات يتخذ فيها المغاربة والاجانب فرصة الزيارة والسياحة، و انتاج اشكال الفرح ( ختان، زواج، زيارات، احياء عادات قبلية، السهر والتجوال )،وكل تلك اللائحة من الترويح عن النفس التي تتفاهم بخصوصها : الاسرة ،العائلة ،الدوار والقبيلة والمدن والجهات في التقسيم الترابي والجهوي الحديث… ذي البعد “اللامركزي” لمفهوم السلطة الجديد . هنا لا نختلف في جوهر الامر الذي لا يعني سوى ، اننا قدام” مهد ولحد” من الثقافة العابرة على “اللاوعي”، وعلى الاجساد و”النوع” والغايات والرهانات، وعلى ما تتخيله في حدوده الصغيرة الى مفهوم دولة تؤثث بنفسها المناسبات، لانها بكل تاكيد ترتبط بالمخيال والذاكرة لتمثل فكرة ” الوطن” ، وبالتالي لا نستطيع انكار مزاج المجتمع محليا في اعادة انتاج شرط وجوده ، المؤسس” سابقا ” قبل وبعد “التنظيم” organisation ، لاي تنظيم… واي مؤسسة سواء : ( الفرد، الاسرة، العائلة، الدرب، الدوار، العزيب، القبيلة، …الخ) على الشعور العام المشترك الذي لا يعصم الفرد نفسه من ضرورة مشاركته في هذه الطقوس واحياءها لانها ذات حمولات وتاويلات ، تفضي الى اعطاء تعريف واحد للثقافة والانتماء والجدور ودور التراث بكل اشكاله في تعبئة مجتمع بذاته، ليكون له وجود وواقع امام العالم، ويمكن له عبر تلك المؤثرات ترويج ثقافته واشهارها ، وجعلها في خدمة المجتمع اقتصاديا و تنافسيا، وما ياتي من الموروث والثقافة احيانا يصبح قوة تتخطى الحدود المادية للبلد.
انا مع كل هذا الذي وضفته بالمقال وبالشرح و الاستنتاج الصريح لدور التنشيط والتعريف بالموروث ، لكن الاشكال الذي سانطلق منه وفق ملاحظاتي المنظمة هو التالي : لماذا يتملك اليوم الفاعل السياسي البوادي عوض المدن لاحياء مواسم التبوريدة في سلخ واضح لمفهوم الحياد في حقل الثقافة واستعراض غير مشروع للذات المتضخمة بالنفوذ السياسي ؟ ولماذا يغيب الفاعل المدني “الثقافي” المحايد عن هذه الانشطة، وتغيب الفرجة بالمدن وبالاحياء والفضاءات المدينية او الحضرية ؟
حاولت الاجابة باكثر من افتراض قائلا :
ـ ربما يغيب المجتمع المدني لانه غير منظم و غير فاعل بالشكل الذي يجعله قادرا على بعث فكرة تتسم بتنظيم مهرجانات ذات فائدة كبيرة تمس مستفيدين واقعيين ويكون لها اثر ونتيجة يمكن قياسهما .
ـ قلت ربما لان عمر المجتمع المدني حديث بالمغرب ولا يزال مقارنة بالفاعلين السياسيين اقل خبرة في موضوع توفير الدعم والقدرة على ضمان الفرجة وصيانة الموروث بالشكل المطلوب ! لكن هنا يمكن الاستفسار حول ؛ ستون سنة من السياسة ونتائجها المناقضة للفكرة العامة المرتبطة بالانتقال المجتمعي نحو تنمية تصنعها الاحزاب!
ثالثا : افترضت ان المغاربة يرتبطون بحب عميق بالفاعل السياسي ! وبفكرة : النبلاء القرويين واثرياء البوادي واعيانها… و بالتالي هم وحدهم من تسمح لهم مكانتهم ورمزيتهم واموالهم ومنصابهم السياسية ( رئيس جماعة، رئيس مجلس اقليمي، برلماني، امين اقليمي لحزب…الخ) في ان يتمكنوا من تنشيط القرى ولهم ما يدعونه من المكانة والنبالة على تقدير جهودهم في ذلك ( بحسب ما يحيط بهم من المريدين والنقباء).
واخيرا ولو ان الفرضيات اكثر من هذا الحد : لاقول ان هناك حالة غياب لفاعلين محايدين واقصد : رجال اعمال، نخب “مدينية حضرية وقروية منافسة وواعية، غياب قطاعات حكومية وزارية : وزارة التربية والتعليم الاولي والرياضة ، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل لملء فراغ المدن من الادوار التي تتصل “بالتنفيس المجتمعي العام”، طبعا يتم هذا عبر :تنظيم مخيمات صيفية بالقدر الكافي، واحياء تظاهرات فنية ورياضية، ومنافسات ومواسم للتبوريدة يفضل ان يلعب فيها جهاز الدولة( عمال وولاة) الدور الريادي، لانه يحول دون الاتي، وهو الاخطر فيما وصلت اليه بعد الملاحظة وتتبع الفاعلين و تفاعلهم و فكرة موسم من تنظيم فلان و علان :
دعوني افهم شيئا وحيدا ، وهو عندما يمنح” المناخ العام “لفاعل سياسي تنظيم مواسم للتبوريدة على نفقته، وبغطاء جمعيات تعمل تحت سلطته وتمرينه، وجماعة تابعة له، ومريدين، واتباع وخدام وراي سديد لهذا الاخير على مدار سنوات تتصل راسا بالفعل السياسي الذي يميزه عن الاخرين (المنافسين)، فيصبح شبه احتكار لسلطة الامر الواقع، وضرب مبدا التنافس، و المسافة الواحدة من الكتلة الناخبة الا ما يتعلق بالمسؤوليات والمهام التي ينظمها القانون ، ساعتها نفهم انها “حملات انتخابية سابقة في العقول على الزمن الطبيعي للانتخابات”، وكانه امتياز حازه الفاعل السياسي ويحق له بالتالي “ترويج نفسه” بين اهالي القرى و البوادي بغطاء التنشيط، لان المجالات القروية كانت دائما الاكثر مساهمة في الفعل الانتخابي بالمغرب ( طوزي ) ،اذن نحن هنا امام “اكليشيهات” تعيد نفسها بافكار (تقليدية /عصرية)، غير مراقبة وغير بريئة لمساعدة سياسي كائن من كان : برلماني او رئيس جماعة او رئيس مجلس اقليمي او حزب على الفوز فيستغل التبوريدة ومدار السنوات الست من حضور يتعزز ذهنيا وسيكولوجيا في خانة “قانون التكرار ” (بول ريكور) ، والذي لا يعني لدى فئات واسعة سوى : ( لا تنسو فلان فقد تحمل ما لا طاقة له لتجهيز الموسم، لتفرح الجماعة في صيف القرى الحار وعطشها ) ،بمعنى ستتذكر الجماعة وجوبا وقسرا وهي تحافظ على تراثها الذي زيفه الفعل السياسي بمناسبة موسم التبوريدة، بخيله وغباره ورحى صولات فرسانه ونصب خيامه مبادلة واقعة ،صوت مقابل فرجة، معناه : ان فلان كان معنا في تثمين التراث والمحافظة عليه والتمسك به وبعثه ، والحقيقة خلاف ذلك ، بينما هو سلوك (مريب) يهين ذكاء الناس وفطنتهم، ويؤجل قضاياهم في التعليم والصحة والوعي والتنمية. وسؤالي هنا : هل بامكان هؤلاء الفاعلين سماع الصوت القادم من اعماق القرى العامرة بالبؤس والعطش والفقد والحسرة ساعة مداخلات باحثين غايتهم المساهمة العلمية الحقة سرعان ما تتحول عند السياسي مجرد تاثيث للمشهد …من حيث ان العلم اكثر شرعنة لفكرة الفاعل السياسي الذي يدوس على الجميع، وعلى التوصيات وعلى العلم والمحاضرات القروية (بول باسكون والمكي بن الطاهر …).
تابعت مؤخرا فعاليات موسم كبير انتهى كانه” عادة حليمة فقط “، ترك مكان احياءه عامرا بازبال يصعب تصديق كمها ، وهو ما يدل ان البادية المغربية هي الفضاء الخصب للسياسيين لتجريب” البرهنة” على وجاهة الفعل السياسي من عدمه هناك بالبوادي حيث امتحان الرهانات والنوايا المباشر والتنافسي المفضي الى حرق الخيرات (مارسيل موس)، حينما يكون استتمار بعض الاموال دون نتيجة بالمدن لارتفاع درجة الوعي، وصعوبة اقناع الناس بفكرة سياسي يدير “هموم الثقافة والخيل والتبن” مرة واحدة .وبالتالي اعطوني او اقنعوني بفكرة مخرجات وتوصيات اي موسم خلال الخمس سنوات الماضية من مواسم التبوريدة بالمغرب خدمت قرية او جماعة قروية في عجز نفس الفاعلين عن ادارة دورات مجالس منتخبة وكراسي سياسية ،فما بالك بتراب دكته اقدام الخيول دهابا وايابا طيلة ايام من موسم ترك خلفه الديار للعزاء وشعر الشعراء الذي يتبعه الغاوون الا لماما…وصيحات صداها غطاه قبح الواقع وقلة الحيلة ولم ينفع فيه صهيل هذا العام و لا ذاك العام .
صبري يوسف كاتب راي وباحث في علم الاجتماع التنمية.