على رأي مجموعة السهام ” كل عام أنا جاي “، كل عام تحل هذه الشعيرة التي جعلها الله رحمة منه على هذه الأمة ، فدية افتدى بها الله إسماعيل كي لا يذبحه نبي الله إبراهيم أبوه ” ففديناه بذبح سمين ” ، وجعلها الله قربانا يتقرب به العبد إلى ربه ، ومادام قربانا إلى الله فالكل يريد أن يقدم ذلك القربان .
لكن الملاحظة ومنذ زمن بعيد على حد السنوات التي كبرنا فيها وملكنا فيه التمييز ، لا يزال خلق كثير يتوجع كلما حل العيد “لكبير ” أو عيد الأضحى أو عيد ” لحولي “، يفرح خلق كثير، ويحزن كثير من الخلق لأنهم لا يجدون ما ينفقون ، يبيع الرجل أثاث بيته ويكاد يرهن ما يملك من أثاثه الغالي ، وتبيع زوجة ضعيفة فقيرة الحال كل ما لديها من أجل أن يمر العيد بسلام بين أطفالها ، ويبيع الناس أشياء ثمينة قبل هذا العيد بشهور عدة ، ويعدون عدا ما يحصلون عليه في الظلمات وفي النور ، ومع كل ذلك لا تزال وجوه كثيرة تسود يوم هذا اليوم .
فأي طفل يترعرع في الأمة هذه ، أمة الإسلام سيدرك برواية سيرة النبي وقراءة القرءان ولقاء “المؤمنين” في المساجد والطرقات، أن دين الإسلام فيه فعلا تتجسد قيم التضامن والنصرة وقيم الإنسانية ونبلها ” خد من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم ” ، ولكن مع مرور الأيام يتضح للطفل أو للبنت أن الحديث الذي قرأه مجتمعا بالكتاب أو سمعه أو تلاه الفقيه والعالم على مسامعه في بيوت الله ليس له تجسيد في الواقع إلا قليلا ، وأن مرافعات الأئمة على المنابر من محطات الإسلام المشرقة ومنازل النبي بيثرب والمدينة والإسراء والمعراج وأنين الجدع ومعجزات رسول الإسلام ووصاياه ويوم وقف في حجة الوداع مودعا وكل مسار الإسلام هو حبيس الأوراق والنصوص المقدسة والحناجر وبعضا من القلوب المؤمنة بالرحمة في شرع الله ونبل رسالة الإسلام .
يكبر أطفال ويدبون ويتحولون إلى رجال والنساء إلى نساء، ويقوى عودهم ، ويأتي العيد ويظنون أن بيت المسلمين سيفتح أبوابه ، وأن الخراج خراج والزكاة زكاة، وأن شواء الأضحية سيملأ مسكنهم الذي لم يدخله الشواء طيلة عام ، ويهيئون الموائد ويغسلون الأفرشة لاستقبال الضيوف، ويقومون ” بتمضية ” السكاكين وإعداد “النافخات “، وسرعان ما يتداركوا أن ” لحولي ” من تقام عليه القيامة غير موجود وغير موجود صياحه بالبيت ، وأن لا خراج ولا زكاة ولا تضامن ولا هم يحزنون يعولون عليه ، ويكتفون بترديد ذبح أبونا إبراهيم بالنيابة عنا بذبح من السماء ، ويكتفون بغلق أبواب بيوتهم ذلك اليوم، وبالسكوت والسكون حد الموت، حتى إذا انتهى العيد خرجوا وأعينهم تفيض دموعا لا تسري على الجفون، وإنما تفيض وتفيض في القلب فيضا ، ويرددون مع المرددين كان الشواء شواءا ، وكان الأكل لذيذا، وكم كان الخروف سمينا .
كتب هشام الجخ الشاعر المصري قصيدة مطلعها “بلاد لعرب أوطاني ” مع ضم العين ، كان على نفس شعور من يظنون أنهم في دولة الإسلام الأولى ، حيث تشع الرحمة والتضامن لوجه الله ، ولحمة الإسلام الحقة الصافية ، ولكن كل عيد يشعر بعض ممن لا يجدون ” حوليا ” للمناسبة أنهم ليسوا سوى جانب من مشاهد لا يقبلها التاريخ، ولا يحبها لأنها فقيرة صامتة لا تضجر ، أما من يملكون سلطانا فإنهم يستقبلون كل عيد عشرات الخرفان يأخذون كبيرها ويدعون الأخرى إلى باعة ينتظرونهم عند قصورهم وفللهم ، ليأخذوا ثمنها في جيوبهم كسكر المأتم والأعراس ، والفرق أن ذلك العبد الضعيف الذي لم يأتيه أحد سائلا مانحا له أضحية العيد لا يصنع الأثير، بينما من تأتيه المواشي ماشية يصنع التاريخ وهو خطأ. ما يصنع التاريخ هو ما يطبع في الإنسان إنسانيته بين من عرفوه ، أما دون ذلك فتدروه الرياح ولا يمكث اسمه في التاريخ أقل من تذكر مواجعه بين من عرفوه ،وغداة نقل جثمانه إلى مضايق الأرض وخنسها وهياشيمها الضالعة في الخسوف .