في كل برهة زمن يبزغ فجر خريف سياسي صانعوه البلطجية الذين يستعمرون مواقع القيادة في مقصورة الشأن المحلي.وعلى طول التاريخ الممتد بأرض الرحامنة عشنا تدبيرا قيسريا لشؤوننا وعلى الرغم منا من طرف حاملي المعاول والسكاكين والموزعين للامتيازات وبائعي الوهم والمشترين للذمم،وظل المتعلمون والمثقفون وحاملي مشاريع أفكار ولبنوك المعطيات والمقترحات في قاعة الانتظارية الكبرى .صار البلطجي مسيرا وفاعلا أساسيا ومنظرا وأضحى الراسخ في العلم ثانويا وعدميا و ذيليا للطفيليات السياسية،ولأن الناخب تحكمت فيه معايير جمة هي التي توجهه إلى صناديق الاقتراع ومن جملتها الريع السياسي فإن المحصلة النهائية كانت طوفان الاحتجاج العارم ولو باللسان وذلك أضعف الإيمان.
ولإقناع العارفين باللعبة السياسية والدخول معهم في مفاوضات يلجأ البلطجي حتى ولو كان إطارا عاليا إلى استمالة البلطجية صم بكم عمي فهم لايقشعون إما بإنشاء جمعية للاستفادة من الدعم أو إنشاء مقاولة للاستفادة من سندات الطلب أو بالاستعمال المتعدد في الإنعاش الوطني أو وظيفة تعاقدية مفتوحة وهلم جرا من الاختيارات التي يسيل لها لعاب حرافيش حارتنا.
وفي الوقت الراهن مشاهد مخزية يعيد فيها التاريخ نفسه ، الذين لا “يجرون” الخط هم الذين يجرون قاطرة التنمية وإن كان يندس في جوقة الطبالين والغياطين عازفين ماهرين.أصبحنا لا نعرف من منا الفقيه في شؤون التنمية البشرية ومن هي السنابل الفارغة الخاوية على عروشها ومن هي الناطحة المتردية وماعاف السبع ومن هي النخبة العالمة والعقول المدبرة والأنتلجنسيا والأقلية المالكة لناصية الأدب واللغة والعلم والمعرفة.
كيف يمكن الحديث عن أي تطور في ظل الهيمنة المطلقة للمتطاولين على السياسة والمجتمع المدني ؟ إن الذي يوجه الرأي العام بالرحامنة اليوم جهابدة من نوع آخر يتقنون فنون الاختراقات للإطارات المناضلة ويتفننون في إبداع أشكال جديدة لاحتواء الحركات الاحتجاجية ويضعون أنفسهم رهن إشارة “السيد” في لعبة “الشيخ والمريد”.وكيف لقطار معطوب أن نطلب منه مستحيل سرعة الوصول ونحن مازلنا نراهن على المومسات وأصحاب العضلات والمهرجين والمنافقين ، وكيف يمكن إنجاح أي تجربة بدون لجنة تكافؤ الفرص والمساواة تضم كل ألوان الطيف كما ينص على ذلك الميثاق الجماعي الذي يفعل فيه كل شيئ إلا الاختلاف والتدافع والمقاربة التشاركية والتواصل المؤسساتي.
إن نظرة السياسي بالرحامنة لا تتعدى قيد إعادة إنتاج نفس التجربة بروتوشات طفيفة أما النظرة العميقة العابرة لقارات المعرفة فإنها تتجاوز مفاهيم البلطجي الذي ينصب نفسه قائدا لكل العمليات والذي يحز في النفس أن المخزن رفيقا وصديقا للحتالة ويضع مسافات كبرى مع المثقف الذي يصير بفعل الزمن مفعولا به ومبنيا للمجهول ونكرة.